الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التجديد الديني المفترى عليه 1-2




لا توجد قضية شغلت الرأي العام المصري والعربي والعالمي طوال الـ 30 سنة الماضية مثل قضية التجديد الديني والعمل على تطوير الخطاب بما يتماشى مع العصر.

والحقيقة أن قضيتي التجديد والإرهاب معًا متلازمتان بشكل غير طبيعي، فإذا أقدمت على مناقشة التجديد الديني كان واجبًا عليك أن تقف عند قضية الإرهاب، والعكس بالعكس، فإذا ناقشت قضية الإرهاب كان حريًا بك التوقف عند جمود قضية التجديد الديني.

والحق أن قضية التجديد الديني لا يمكن أن تُناقَش في مقال واحد أو مقالين لأنها قضية أمة برمتها، فما يمكن أن أقدمه هنا هو مجرد رؤية للتجديد والتطوير ونقاش بالغ الصراحة مع المهتمين بالأمر في عدة نقاط يمكن صياغتها كالتالي:

النقطة الأولى

قضية التجديد الديني فيها من الحرص على ثوابت الدين والحرص على أصالته أكثر مما يزايد عليه المزايدون ويفتري المفترون؛ فلا التجديد الديني مطلب علماني ولا التجديد الديني مطلب صليبي أو غربي وفق رؤى وكلام الرافضين -ولا أقول المتطرفين- ولكنها رؤية نابعة من صميم أحوالنا العربية والإسلامية.

النقطة الثانية

التجديد الديني لا يمس ثوابت الدين ولا يمكن له المساس بها، سواء كانت في القرآن الكريم أو السنَّة النبوية المطهرة، فهذه ثوابت ديننا الإسلامي الحنيف ولا نقبل ولا نرضى أن يقترب منها كائن من كان.

النقطة الثالثة

تجديد الخطاب الديني في رأيي يتمثل في التصدي لتفسيرات وشروحات الأولين وفتاواهم في الأساس، بمعنى أن من سبقونا من شيوخ وأئمة فسروا الآيات القرآنية الشريفة والأحاديث النبوية بما كان يمليه عليهم عصرهم وبما كان موجودًا في زمانهم من قضايا، ونحن اليوم -وكما كتب ذات مرة المفكر الراحل د. مصطفى محمود- في حاجة إلى تفسير عصري للقرآن الكريم؛ فالسابقون لم يكن في زمانهم الإنترنت ولم يكن في زمانهم الثورة المعلوماتية الضخمة التي نعيشها الآن، ولم يكن شيوخهم موجودين أمامهم بهذا الشكل، ولم تكن تحديات الحياة الإنسانية والاقتصادية والسياسية بهذا الشكل المرعب كما نحياها جميعًا.

النقطة الرابعة

ينبغي أن يكون مفهومًا أنه ليست هناك مؤامرة على الإسلام، فالدين الإسلامي أكبر من مثل هذه المؤامرات الموجودة أصلًا في خيال مروجيها.

الموجود فعلًا صراع مصالح من الدرجة الأولى بين دول الشمال الغنية المتطورة وبين دول الجنوب، بين النمور الآسيوية وبعض دول أمريكيا اللاتينية وبين شعوب عربية وإسلامية اقتصادها في الحضيض، ولولا النفط في بلاد الخليج العربي وبعض الموارد الأصيلة للدخل القومي، مثل السياحة في مصر وغيرها، لكنا نعاني اقتصاديًّا بشكل لم يسبق له مثيل.

فالمؤامرة الكونية على الإسلام غير موجودة إلا في عقول من يروجون لها، لكن هناك صراع مصالح وصراعًا للعيش والسيطرة والهيمنة أبعد ما يكون عن الدين وأقرب ما يكون لمتطلبات الحياة اليومية.

النقطة الخامسة

لماذا نطلب من الدين الإسلامي التجديد؟ ولماذا الإصرار على هذه النقطة؟، فكما قلت بداية في هذا المقال، إنها مصلحة عربية وإسلامية قبل أن تكون مصلحة للآخر، ثم إن هناك سؤالًا لهؤلاء المزايدين:

لماذا لا نقوم بالتجديد الديني؟ ولماذا نقبع كل هذه الحقب والقرون تحت تفسيرات ورؤى ضيقة فات زمنها ووقتها؟ ولماذا لا نخطو نحو الحضارة الحديثة بخطى ثابتة؟ هل كتب علينا التخلف والجهل والضياع الاقتصادي والتزمت والإرهاب؟ هل نحن راضون بالبقاء في دهاليز الفقر والحاجة والعوز؟.

إننا بحاجة إلى "تثوير" مقدراتنا الدينية والأخلاقية والسلوكية، بحاجة إلى الخروج من دائرة الشعوب المنقرضة.

إن أقل تقدير زمني بيننا وبين الدول الأولى عالميًّا هو ثلاثة قرون. إننا نعيش في عصر الفحم وهم سكنوا القمر والمريخ ويبنون مدنًا هناك. إننا لا نزال نختلف حول طريقة الدخول إلى الحمام بالقدم اليمنى أو باليسرى وهم يقبعون في ظلال حضارة ومدنية وعلم يشهد له العالم أجمع.

النقطة السادسة

التجديد الديني ليس مجرد شروح جديدة للآيات والنصوص، ولكنه نهضة مجتمعية كاملة تقوم بها مؤسسات، فهو ليس قضية فردية أن يفتي هذا الشيخ أو ذاك العالم، ولكن أن نتطلع جميعًا وبثوابتنا الدينية إلى عالم جديد متقدم، أن نعلم أن الدين الأصيل يحثنا على الإخلاص في العمل، وأنه لا يعقل أن يكون عدد ساعات العمل للموظف المصري في اليوم 3 دقائق، فهذا هو الضلال ذاته، حيث يتم التحجج بأنها مؤسسات حكومية وقطاع عام وجهاز إداري للدولة وفي كل الظروف ستصل المرتبات إلى أهلها!

الإخلاص في العمل قضية دينية قبل أن يكون قضية حياتية، أن يقودنا التجديد الديني لرؤى حضارية تجاه المرأة وأن يقود التجديد المرأة ذاتها لتخرج بعيدًا عن شرنقات التخلف والسطحية، فالمرأة أكثر قدسية من العري ومن أن تكون كمًّا مهملًا وأن يُنظر إليها بدونية شديدة.


النقطة السابعة

التجديد المفترى عليه والذي ينظر إليه البعض على أنه يهدف إلى هدم الإسلام وزعزعة ثوابته سيكون طريقنا للنهضة.

أما القضايا الملحة التي تحتاج إلى إعمال التجديد الديني فيها.. فذلك هو موضوع المقال القادم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط