الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التجديد الديني المفترى عليه (٢_٢)


نعود مرة ثانية إلى الجدل المتفجر حول قضية التجديد الديني وأهميتها للمجتمع المصري والعربي والإسلامي بشكل عام.

ونقف في مقال اليوم أمام القضايا الملحة التي تحتاج إلى أعمال التجديد الديني فيها؛ حتى لا يكون الكلام في هذه القضية الحيوية كلامًا على المشاع أو رؤى في الهواء.

القضية الأولى
هي قضية الحكم في الإسلام، وهي القضية المدخل لكل الشرور طوال المائة عام الماضية، بعدما ظهرت جماعة الإخوان الإرهابية في عشرينيات القرن الماضي، وكان النداء الأساسي لها -بعد اندحار عصر الخلافة العثمانية وهزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى- هو إعادة الخلافة والحكم بما أنزل الله وفقًا للاجتزاء الشهير من الآية القرآنية: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون".

وحتى لا يكون كلامنا إعادة لما كتب وتكرارًا لما نشر، فأنا لا أعرف -ولا تعرف المجتمعات العربية- قومًا أو جماعة أساؤوا إلى الإسلام مثل أولئك الذين طالبوا بالحكم بما أنزل الله، كما إنني -ومئات الملايين غيري- لا أعرف نظامًا سياسيًّا عربيًّا طوال المائة سنة الماضية حارب الدين أو أغلق المساجد أو جاء بمثل هذه التصرفات الدموية الفاشية. 

نختلف أو نتفق، فكل نظام سياسي اقترب أو ابتعد عن الديمقراطية بمسافة وفق ما يجابهه من تحديات ووفق ما يحافظ به على استقرار بلده، والأمر من مصر إلى غيرها من الدول العربية طوال 100 عام ماضية.

وهذا الحاكم الكافر ليس له وجود إلا في مخيلة المرضى من عبدة جماعة الإخوان الإرهابية أو من عناصر داعش والقاعدة.

وإزاء قضية الحكم في الإسلام، ينبغي أن يتصدى الأزهر الشريف بعرض أطروحات علنية لهذه القضية وفق رؤى مدنية عصرية يشارك فيها علماء دين ومفكرون كبار حتى تتضح كل أبعاد القضية لعشرات الملايين من الشبان، وحتى لا يكون الادعاء بأن الأنظمة السياسية الموجودة -مهما كان الخلاف معها- هي أنظمة كافرة، وفق المصطلحات الإرهابية التي شاعت عبر عقود.

وبمقياس الكفر، فإن أنظمة سياسية عربية كانت شديدة الاستبداد لم تسئ للأوطان العربية ولم تفتعل الخراب بها مثلما فعلته جماعات ضالة مثل داعش والإخوان والقاعدة في سنوات قليلة.

فالحكم في الإسلام طُرح قبل 100 عام، والقضية حاضرة، والخلاف جذري، والإرهابيون يحاربون مجتمعاتنا بلا هوادة حتى اللحظة وفقًا لهذه الضلالات عن الحكم.

فهذه قضية محورية وهامة، والفصل فيها سيجنب ملايين البشر مواجهات إرهابية دموية، ويجنبنا ظهور آلاف الانتحاريين مجددًا.

القضية الثانية
هي "المجتمع الكافر"، فهل اللباس العصري كفر؟ وهل الإنترنت كفر؟ وهل الحياة العصرية كفر؟. بالطبع لا، فهذه ضلالات وسخافات يلوكها الإرهابيون في حلوقهم ويقنعون بها شبانًا غافلين.

لا بد من فتاوى واضحة مختصرة في ما يخص الحياة؛ فتاوى تستند إلى روح الإسلام وأصالته وتتعامل مع العصر، فتاوى تقول لنا في النور وضد الإرهابيين من علماء مستنيرين إننا لسنا كفارًا ولن نكون، وهؤلاء هم أولى بتهمهم.
إننا نعيش عصرنا كما عاش الأسبقون عصرهم، ولا داعي إلى تكفيرنا أو إلى تحريم حياتنا علينا من جانب مضللين وإرهابيين.

القضية الثالثة
ليست آخر القضايا، وهي قضية الجهاد في الإسلام، ولا بد من توضيح كل أبعاد هذه القضية. ما الجهاد في الإسلام؟ وما توقيتاته؟ وهل هو مطلوب الآن؟ وهل مطلوب أن يعود خالد بن الوليد وأن نسترجع كسرى وقيصر الآن؟ ما فتاوى الجهاد؟ وهل مطلوب منا -نحن المليار ونصف المليار مسلم- أن نحارب 4 مليارات آخرين ليسوا على دين الإسلام، سواء كانوا مسيحيين أو يهودًا أو بغير ملة؟.

إن أعمال التجديد الديني في هذه القضايا بكل وضوح، وبث أطروحاته ونقاشاته وندواته عبر التليفزيون الرسمي للدولة في مصر، وتقديم ملخصات لهذه النقاشات للتلاميذ والنشء في الأزهر وخارجه، وطرح كل هذه القضايا بوضوح تام، يدفعنا إلى اجتياز عتبات القرن الحادي والعشرين والخروج من شرنقة التخلف وبناء أجيال إسلامية واعية مقتنعة تمام الاقتناع بمدنية الإسلام، وأكثر أخلاقًا والتزامًا بمعايير الدين الصحيحة، وليست أجيالًا إرهابية.

القضايا لم تنتهِ، لكنها كانت إطلالة أولى على قضية متفجرة تشغل عقول مئات الملايين من العرب والمسلمين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط