الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإرهاب وخطر الأساس الفكري


يخطئ من يظن أن اندحار تنظيم إرهابي وطرد عناصره من مساحة من الأرض يعني هزيمة الإرهاب والقضاء عليه نهائيًا! هذه خلاصة تجارب العالم خلال العقود الأخيرة مع تنظيمات الإرهاب ابتداء من جيلها الأول (الجهاد والتكفير والهجرة وغيرها) إلى الجيل الثاني (القاعدة) ثم الجيل الثالث (داعش)، بل إن هذه الخبرة تؤكد أن اندحار جيل يعني إمكانية التنبؤ بقدوم جيل جديد أشد عنفًا وخطرًا وتطرفًا وتشددًا، فداعش أكثر دموية وعنفًا مقارنة بالجيل الأول من الإرهابيين، ولديه المقدرة على الانتشار والتمدد والتوسع والتجنيد مايفوق بمراحل تنظيمات الإرهاب في ثمانينيات القرن العشرين، حيث وظف "داعش"جيدًا وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة في نشر الأفكار والتجنيد وتحويل الساحة الالكترونية إلى ساحات تدريب وتجنيد افتراضية!

اعيد التذكير بهذه الاستنتاجات تعقيبًا على مايدور من سجالات مباشرة وغير مباشرة بين القادة والمسؤولين السياسيين والعسكريين في الغرب حول هزيمة تنظيم "داعش"وانتهائه في سوريا، فالجدل قد اخذ منحى سياسيا بامتياز، وهناك رغبة في اعلان انتصار عسكري على التنظيم، وهذه بحد ذاتها نقطة مثيرة للجدل، فلا يمكن وضع معايير لهزيمة تنظيم ما بشكل نهائي، لأن الحرب بالأساس انطلقت على قاعدة أيديولوجية، ولم تنطلق وفق حسابات عسكرية محضة، والهزيمة وفرار عناصر الإرهاب لا تعني سقوط الفكرة ولا اندحارها ولا موتها واقتلاع جذورها!

الأساس الفكري للإرهاب موجود في منصات تنظيماته وفي كتبه وعلى ألسنة المنظرين الذين يروجون له بدرجات مختلفة، والموضوعية تقتضي القول إن الجهود التي بذلت حتى الآن للتصدي لهذه الأساس ليست على قدر خطورته وتشعبه وتجذره.

هناك جهود تبذل على مستويات عدة للتصدي للخطر الإرهابي بعضها يتعلق بالفكر والخطاب الديني، وهذه للموضوعية تقتصر على دول عدة فقط، وتتباين فيها الجهود وفاعليتها، وهناك جهود تبذل على الصعيد التربوي والتعليمي وهذه أيضًا تمضي في مسارها ولم تؤت ثمارها بدرجة كافية بعدن وهناك جهود تبذل على مستوى إيجاد المعادل الموضوعي للفكر المتطرف من خلال نشر قيم الاعتدال والتسامح والتعايش بين البشر، وهذه تمضي بشكل قوى ومكثف في بعض الدول بينما تمضي على استحياء ولا تنال القدر الكافي من الاهتمام والرعاية في بعضها الآخر.

في الحالة السورية، نلحظ أن الرئيس دونالد ترامب يصر على أن استعادة مائة بالمئة من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"تمثل هزيمة للتنظيم، وأنه لم يعد مثل خطرًا، والحقيقة أنها تمثل بالفعل هزيمة عسكرية للتنظيم ولكنها ليست هزيمة مؤثرة بالنسبة لهذه التنظيمات التي اعتادت ممارسة لعبة الكر والفر، فانهيارها لا يعني نهايتها بل يعني تغيير الاستراتيجية والتكتيكات المتبعة لمواصلة القتال وفق الأساس الفكري لها، ومن ثم فإنها تحتاج إلى استراتيجية النفس الطويل على الصعيدين العسكري والفكري معًا، فلابد من تلازمهما وإلا فإن البذرة ستعاود الظهور مجددًا بأجيال تستوعب دروس الهزيمة العسكرية وتلتف على أخطاء السابق، وتعيد انتاج نفسها مجددًا سواء من خلال التنظيم نفسه أو أن ينشطر هذا التنظيم ويتشظى إلى تنظيمات فسيفسائية بفعل تباين الرؤى المحتمل بين قادته في مرحلة مابعد الهزيمة، وهذا ماحدث تمامًا في مجمل الجولات السابقة لتنظيمات الإرهاب.

علينا أن ندرك أن الإرهاب لم يعد أيضًا دفاعًا عن فكرة أو أيديولوجية معينة، بل بات نوعا من "البزنس"الضخم الذي يرفع شعارات أيديولوجية ويعمل تحت ستار فكري أو ديني مزعوم ثم سرعان ما يتم توظيفه من قبل دول وجهات استخبارية ومنظمات تقوم بتمويل أنشطته وتجنيده لتحقيق مصالح استراتيجية لدول أخرى أو حتى لمجرد تلاقي المصالح والأجندات بشكل غير مباشر، وهذا مايفسر وجود عشرات الآلاف من العناصر التي انخرطت في تنظيمات الإرهاب بمناطق مختلفة من العالم، ولا يمكن القول أنها جميعًا تقاتل دفاعًا عن الدين أو العقيدة كما تزعم! بل هناك مقاتلون من أجل المال وهناك آخرون من أجل الشهرة وتحقيق الذات، وهناك غاضبون مهمشون من ضحايا ممارسات الاقصاء العنصري في بعض الدول، وهناك ساعون لحياة المال والبذخ وغير ذلك مما تعد به تنظيمات الإرهاب عناصرها المحتملون خلال حملات التجنيد التي تنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغير ذلك من وسائل التجنيد والاستقطاب الفكري والعقيدي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط