الكبد.. معجزات وإنجازات

الكبد أكبر عضو داخل جسم الإنسان، وزنه أكبر قليلا من وزن المخ (1.4 كجم).. مثبت جيدا في الناحية اليمنى أسفل الحجاب الحاجز بروابط لا تسمح له بالسقوط في البطن عند الجري وبذل الجهد، وتثبيته في مكانه هذا جعله يتحرك أيضا مع حركات الحجاب الحاجز أثناء التنفس.

وللكبد دورة دموية لا مثيل لها في أي عضو آخر، فهو يتلقى نوعين مختلفين من الدم: دم يحمل له الأوكسيجين من القلب ودم يحمل له نواتج الهضم من القناة الهضمية، يختلطان معا عند الخلايا. 

ويعتبر الكبد "قلعة صناعية" عملاقة، فهو يستقبل المواد الغذائية المعقدة من القناة الهضمية ويبسطها قبل توزيعها على الجسم، ويصنع منها هرمونات وبروتينات كثيرة، كتلك اللازمة لتجلط الدم.

ولأن الكبد "مراقب" دقيق لكل ما يدور حوله، يمر من خلاله لتر ونصف من الدم كل دقيقة، يتبادل معه ويضبطه أولا بأول.. بعد الأكل يقوم بمنع نسبة السكر في الدم من الارتفاع بسحبه وخزنه، ليقوم بتحريره مرة أخرى عند الجوع، وهو كذلك "مخزن" هائل للعديد من الفيتامينات والمعادن يطلقها عند الحاجة.

 
وتغلب الكبد على مشكلة هضم الدهون وامتصاصها، وذلك بإفراز حوالي لتر يوميا من العصارة الصفراوية المتخصصة في ذلك، إلا أنه قد يحدث خلل في تلك العملية رغما عنه يؤدي إلى مرض الصفار.

والكبد مسئول عن سلامة المخ، يمده بحاجته من الجلوكوز ويمنع وصول مادة الأمونيا السامة إليه، ولو أفلت زمام الأمونيا من يده، يتسمم المخ ويصاب صاحبه بحالة خطرة تسمى "غيبوبة الكبد".

والكبد أيضا "بوابة أمن" صارمة، فكل ما يدخل القناة الهضمية يمر من خلاله أولا قبل توزيعه على باقي الجسم، وكأي بوابة أمن تتصدى للمهربين والمجرمين، كثيرا ما يتصدى الكبد للمخاطر ويضحي بنفسه من أجل سلامة الأعضاء الأخرى، وأشهر مثال على ذلك احتجازه لمئات الألوف من بويضات البلهارسيا ذات الأشواك لمنعها من الوصول إلى المخ والرئتين، لينتهي به المطاف هو نفسه إلى التليف والفشل بسبب احتجازه لها.

ويحافظ الكبد بدقة على "نظافة البيئة" فيكسر كريات الدم الحمر التي انتهى عمرها ويعيد تدويرها، ويفكك الأدوية والسموم، ويحول الأمونيا إلى يوريا ويرسلها مع أي"نفايات" أخرى إلى الكلى لطردها.

ومن شدة إخلاص الكبد وحبه لعمله، لو تبرع شخص بنصف كبده سينمو النصف الباقي ليعود للحجم السابق خلال أسابيع، كما لديه قدرات دفاعية أيضا لما يمتلكه من خلايا هجومية تفتك بالجراثيم المتسللة.

أما عن الفيروسات التي تصيبه فهي خمسة أنواع: A-B-C-D-E. أخطرها "B-C" التي تنتقل من خلال سوائل الجسم عند نقل الدم وإعادة استخدام إبر الحقن والاتصال الجنسي، أما "A-E" فيدخلان عن طريق الفم من المأكولات والمياه الملوثة.

وكيف يتلف الكبد ويفشل؟ سبق أن ذكرنا تليف الكبد جراء احتجازه بويضات البلهارسيا، وقد يفشل ارتجاعيا عند فشل القلب، وبسبب الفيروسات وبعض الأدوية، ومن تعاطي الكحول وتناول الدهنيات والسكريات بكثرة تفوق طاقته للتعامل معها، خصوصا أن الكحول والسمنة الزائدة يقودان إلى الكبد الدهني وهي خطوة سابقة للتليف.

 
تليف الكبد يغلق مسارات الدم في البطن ويحبسه، فترشح منه السوائل ويحدث استسقاء، وبسبب الاحتباس أيضا تتورم الأوردة عند المريء والشرج في شكل دوالي وبواسير فتنفجر وتنزف.. 

ومن علامات فشل الكبد رائحة نفس كريهة غير تلك المنبعثة من اللثة والأسنان والجيوب الأنفية، كذلك
حكة وظهور أشكال عنكبوتية لأوعية دموية تحت الجلد، وكثرة نزف الدم (عدم تجلطه) عند الجروح.

وأحيانا يتسرطن الكبد من محفزات كثيرة كالفيروسات والطفيليات والكيماويات والأدوية والسمنة، والتاريخ العائلي، وتبين أنه يحدث عند الرجال ضعف النساء.

ومع أن وظائف الكبد بالمئات كما ذكرنا، إلا أن "تحاليل وظائف الكبد" المعروفة عددها قليل ومؤشراتها دقيقة وكافية.

وعند فشل الكبد يتم استبداله بكبد ميت أو متبرع.. وعموما، ثلاثة أرباع الحالات يعيش بالكبد الجديد خمس سنوات، وبعضهم قد يعيش عشرين سنة. 

ومن فضل الله أن مجموعة من النباتات التي تحمي الكبد وتقويه متوفرة ورخيصة الثمن مثل الثوم والجزر والليمون والبنجر والشاي الأخضر والتفاح.

أما علاقة الكبد بالمشاعر والقول بأن "أبناؤنا فلذات أكبادنا" و"مرارتي طقت" فأساسها اعتقاد بابلي قديم ما زال متداولا حتى الآن بأن الكبد مركز العواطف، وبالفعل تأكد مؤخرا في بحث نشر عام 2015 وجود علاقة أكيدة بين الحالة النفسية السيئة وتكون حصوات المرارة.