الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رياح الوهابية وأثرها على مصر


قبل أن نبحث في مدى تغلغل الوهابية وأثرها على مصر، لا بد من التذكير بنشأة هذه الحركة وأهدافها وطرق انتشارها لمن لم يسمع عنها من قبل.

نشأت الحركة الوهابية منتصف القرن الثامن عشر في شبه الجزيرة العربية، ومؤسسها هو محمد بن عبد الوهاب الذي قرأ وتشبع بفقه أحمد بن حنبل و"فتاوى" ابن تيمية ومؤلفات ابن القيم.. وكانت قناعته أن المسلمين عادوا إلى الجاهلية والشرك، وأن الإسلام غير موجود ويجب إعادته بالقوة.. 

أبرز مظاهر "الشرك" في نظره كانت بناء الأضرحة والتبرك بها (وبالتالي تكفير من يقدسها كالشيعة).
أعلن الجهاد لإقامةً دولة التوحيد وتطهيرً الأمة، واتبع طريقة الخوارج في التكفير، وهي الاستناد إلى نصوص في الكتاب والسنة نزلت في حق الكفار والمشركين ليسقطها على المسلمين. 

بحث ابن عبد الوهاب عن حليف سياسي فكان الأمير محمد بن سعود.. اتفقا وبايع كل منهما الآخر؛ هذا يقيم دولة ويحكمها، وهذا ينشر دعوته فيها وينطلق بها لاحقا إلى باقي الدول الإسلامية.. وبالفعل تأسست الدولة الأولى في إمارة الدرعية، وبدأت بهدم الأضرحة في مكة والمدينة وتطبيق الحدود من قتل ورجم، ووضع قواعد جديدة للحج والعبادات، وحبس المرأة وتغطيتها بالكامل لو خرجت من بيتها.

لم تلق هذه الدعوة ترحيبا شعبيا ولا إقليميا عند نشأتها. ففي عام 1818 تمكن إبراهيم باشا بن محمد علي من تدمير الدرعية وأسقاط الدولة الوهابية الأولى بتشجيع من الخليفة العثماني، وقامت مرة أخرى وسقطت بعد صراع داخلي، ثم قامت للمرة الثالثة مع تأسيس المملكة العربية السعودية بزعامة عبدالعزيز آل سعود عام 1932.. لكن هذه المرة قويت شوكتها وكان النفط قد ظهر، فاستخدمت أمواله الطائلة لتمكين الدولة ونشر مذهبها. 

من أسوأ مبادئ الوهابية محاربة العلم الحديث، حتى أن من علمائها من أنكر كروية الأرض، كذلك تحريم الموسيقى والغناء، وتحقير الدنيا وتكفير من يحبها، والتنطع في العبادات إلى درجة حل المشاكل بالدعاء والأذكار والصلاة على النبي وليس بالعقل والأخذ بالأسباب، فتوقف نمو العقل المسلم حتى أصبح المسلمون يستوردون كل شيء ولا يصنعون شيئا، ولا يملك المسلم سلاحا ولا يعرف من فنون القتال إلا أن يفجر نفسه.

انتشر الفكر الوهابي بعدة طرق: من خلال مواطني الدول الذين يذهبون للعمل في السعودية وهم بعشرات الملايين، والضخ المباشر للمال في بناء معاهد دينية تنشر الفكر الوهابي في كافة الدول الإسلامية خصوصا الفقيرة منها.

والمواطن البسيط الذي يحج إلى بيت الله وينبهر بعظمة الكعبة وجلالها، يعود وفي ذهنه أن الإسلام الصحيح موجود في السعودية فقط، وعليه، راجت الفتاوى الشاذة لابن باز وابن عثيمين ووصلت القرى النجوع.

وتقليدا للوهابية، نشأت حركات محلية مثل حركة التكفير والهجرة في مصر أوائل السبعينيات، والقاعدة في أفغانستان وبوكوحرام في نيجيريا وشباب المجاهدين في الصومال، وداعش في العراق والشام، جميعها تلقت دعما ماليا سخيا من أموال النفط بشكل علني أو سري، مكافأة لتمسكها بنهج الوهابية التكفيري وفتاوى القتل لابن تيمية.

كما وجدت الوهابية حاضنة لها في الحركات الإسلامية المحلية كالإخوان المسلمين والسلفيين إذ رحبوا بها "تكتيكيا"، عسى أن تساعدهم يوما في الوصول إلى السلطة.

في نفس الوقت نشطت حملة موازية لإحياء الخلافة الإسلامية والتحسر على سقوط الخلافة العثمانية، وانطلت هذه الكذبة على البعض دون أن يعلموا أنها كانت احتلالا بغيضا وليست خلافة، فقد عاشت مصر أسود أيامها لستمائة سنة.. في وقت كانت أوروبا تنطلق بثورتها الصناعية، كان الخليفة العثماني يجمع الخراج (الضرائب) بالكرباج ولا يقدم أي خدمات في المقابل، لا صناعة ولا تعليم إلا في الكتاتيب والأزهر. 

في الستينيات لم تكن في الجامعات المصرية أو العربية أي فتاة منقبة، لكن مع هبوب الريح الوهابية وعودة زوجات العاملين المصريين من السعودية وهن منقبات، مع حملة منظمة في الداخل ضد حرية المرأة واختلاطها.. فما هي إلا عشرين سنة فقط، وإذا بالنقاب يغزو الجامعات والمستشفيات والدوائر الحكومية والشوارع المصرية..
ربما النقطة الوحيدة من مجمل الفكر الوهابي التي رفضها المصريون ولم يعيروها انتباها هي هدم الأضرحة ومنع زيارتها أو الصلاة في المساجد التى تحتويها، فحافظوا على تلك الأضرحة واستمروا في زيارتها والتبرك بها.

ولما ثبت للعالم كله أن فكر الوهابية هو منبع التخلف والإرهاب حول العالم، فطن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى ذلك وبدأ ثورة تجديد وتحديث، رافضا كل مظاهر التخلف في بلده وفتح الباب على مصراعيه لكل الثقافات الحديثة التي كانت محرمة كالموسيقى والسينما والمسرح، وقيادة المرأة للسيارة وغيرها.

المشكلة الكبرى حاليا، أن الوهابية لفظت أنفاسها في بلد المنشأ وهي السعودية، بينما آثارها السلبية باقية ولن تمحى بسهولة من كل دول العالم التي وصلت إليها، ومنها مصر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط