الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كلنا مرضى !!


أعتقد أنها حقيقة يجب الاعتراف بها فكلنا يعاني مرضاً معيناً، إما مرض عضوي يغزو الجسد فيدمره ببطء، أو مرض نفسي يدمر روحه مع الوقت، قد يظهر علي شكل إرهاب من نوع خاص يؤثر علي شخصيته وردود أفعاله المختلفة تجاه الآخرين، مهما حاول السيطرة علي نفسه ومهما حاول إخفاء الحقيقة.

منا من يعاني من الشعور بالنقص الناتج عن طفولة مأساوية قد تعرض لها ربما يظهر ذلك كمردود طبيعي لما مر به البعض في الصغر من التعليقات السخيفة والتنمر تجاه بعض صفاته الخَلْقية والخُلُقية ترسخ في العقل الباطن حتي تظهر بوضوح في مرحلة ما من العمر ومهما حاول إخفاءها تظل تطارده حتي تنتصر عليه.

والبعض يعاني من مرض حب المال أو حب السيطرة وتظهر أعراض المرض في تصرفاته اليومية وتؤثر تأثيرًا واضحًا علي حياته أو حياة من حوله، البعض الآخر فريسة لمرض الخوف ،بمفهومه المطلق فيخاف الحياة ويخاف الوحدة ويخاف الناس ويخاف المستقبل وتتحول حياته إلي سلسلة من المخاوف المترابطة والمتشابكة تجذبه إلي الخلف وتقضي علي قدرته علي التحمل.

والبعض فريسة لمرض الازدواجية في الشخصية فتجده له وجوه مختلفة يحمل كل الصفات الجميل منها والقبيح ويستعمل شخصياته المتعددة حسب الموقف الذي يتعرض له ويظل يتأرجح في عالمه الازدواجي حتي ينتهي به الأمر بفقدان العقل أو فقدان الرغبة في الحياة،فالخير يجذبه أحيانا والشر يجذبه أحيانا أخري ويجد نفسه حائرًا خائفًا من مواجهة النفس، عاجزًا عن السيطرة علي مجريات الأمور.

والبعض مريض بداء العظمة يحاول أن يركب فوق الأكتاف ويقضي علي كل من حوله ليظهر ويلمع ويرفع ذكره علي الأرض علي أنقاض الآخرين ، والبعض مريض بداء التعذيب للنفس وللغير لا يمكنك تحمله فهو يحمل من الصفات ما يجعلك تهرب للتخلص منه ،شخصية تتسم بالكبر وعدم الرحمة والغفران إذا عاشرته تتحول مع الوقت إلي مريض شاذ الفكر والتصرف وقد يصل بك الحال إلي الانتحار.

وآخرون مرضي بداء الفردية والانعزال منهم من لا يحب العيش داخل جماعة، يرفض التفاعل مع الناس و يميل إلي الوحدة سهل التحطيم كالزجاج، يبحث عن سبب للوجود فلا يجد فيتحول إلي مريض أحادي الفكر، ينقم علي كل من حوله، ويحاول التخلص من حياته ويبحث عن الوصول للعدم.

مرض آخر يصيب الإنسان هو حب الظهور والمنظرة فيعشق أن يتملقه الغير بنظرة حسد يوحي للجميع بأنه شئ عظيم حتي وإن كان بسيط في نفسه، قليل في حيلته إلا أنه يحب أن يراه الناس بصورة لا تتناسب مع واقعه، فيظل يلهث طوال حياته بحثًا عن المظاهر ويخفي بكل ما استطاع من قوة الحقيقة التي يعاني منها.

الأمراض النفسية كثيرة ومتعددة لا يمكن حصرها،تتغلغل في أوصال البشر، لا يمكن القضاء عليها، إنما يمكن التعايش معها ومحاولة تقنينها،فلا ترهق نفسك في تغيير النفس البشرية، فالمريض هو الوحيد الذي يملك قرار التغيير ويبحث عن الدواء بكامل إرادته فإن لم يملك الرغبة في التخلص من مرضه فلن يفلح الآخرون.

المشكلة الحقيقية هي كيفية تقبل الآخر بكل ما فيه من عيوب وأمراض ،كيف تستطيع التعايش مع مريض نفسي دون أن تتأثر بمرضه أو تتحول لمريض مثله بنفس نوع الداء، علي سبيل المثال قد تعاشر بخيلًا، وتري منه الكثير وتعاني معاناة شديدة فإذا بك تتحول مع الوقت إلي مريض مثله إما بداء البخل أو بداء الإسراف نتيجة الإحساس الذي تشبعت به من حرمان من طول عشرتك لهذا المريض.

ومن الممكن أن تصاب بمرض نفسي آخر بخلاف نوع المرض الذي تعايشت معه فقد تعيش مع بخيل وتعاني من هذا الداء اللعين فتتحول إلي إنسان مادي أناني لا تفكر إلا في نفسك وتتحول إلي شخصية انتهازية جشعة كل ما يشغلك هو الوصول إلي المال قد تسرق أو تنصب أو تحاول الوصول إلي غايتك علي أنقاض الآخرين.

وقد تصاب المرأة أو الرجل علي حد سواء بالرغبة الملحة في الانتقام نتيجة التعايش مع المرض النفسي فتكون ردة الفعل غير متوقعة فقد تقتل بداخلك المشاعر الطبيعية للحب والحنان والإخلاص والوفاء أو يصل بك الحد إلي انتهاك حدود المولي عز وجل ظنًا منك أنك تأخذ حق تحملك لرفيق مريض لسنوات طويلة من العمر.

الداء الأكبر هو عدم تحكيم العقل والحياة المغيبة التي تجعل الإنسان لا يفكر ولا يراجع قراراته فيفجر ويظلم وينتهك حقوق الغير وهو يقنع نفسه بأنه ملاك مُنزل ويتسم بصفات الكمال ،يسحق الآخرين ويظن أنه علي حق وفي سبيل تحقيق هدفه يقضي علي أقرب الناس إليه دون رحمة .

السبيل الوحيد للسيطرة علي جماح النفس البشرية، والتحكم في الأمراض هو التوجه للمولي عز وجل بنية خالصة، والبحث عن اليقين الذي يغسل القلب ويجلي العقل وينير البصيرة فتتحول من مريض يتمكن منه المرض إلي عبد صالح في كنف مولاه الحق ، يقول المولي عز وجل (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) والبر هو أعلي درجات التقوي التي يصل فيها المرء إلي الزهد فينفق مما يحب ويتسامح ويرتقي بخلقه فيكفيه المولي عز وجل شر نفسه وشرور الآخرين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط