الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حادث نيوزيلندا.. ومسجد الروضة بسيناء


اختار الإرهابُ الغادر من جزيرة "نيوزيلندا" المُنعزلة، الواقعة أقصى جنوب غرب المحيط الهادئ، مسرحًا لآخر جرائمه، تلكَ التي تُصنفُ كإحدى الجرائم الإرهابية الأكثرُ عنفًا في الآونة الأخيرة، فحادثُ إطلاق النيران داخل مسجدين بمدينة "كرايست تشيرتش" الساحلية، أكبرُ مدن الجزيرة الجنوبية لنيوزيلندا، حصدَ أرواح نحو 49 شخصًا كانوا يستعدون بسلَامٍ وطُمأنينة لأداء شعائر صلاة الجمعة (يُمثل ضحايا الحادث نسبة 0.1% من مسلمي نيوزيلندا البالغ عددهم 50 ألف شخص).

حادثُ "نيوزلاندا" أصاب الدولة الهادئة بالذُعر، كما بدا على وجه رئيسة حكومتها جاسيندا أرديرن، كما دق في أرجاء العالم نواقيس الخطر، من المرونة التي ما زال يحظى بها الإرهابُ في حركته وتنفيذ مخططاته وجرائمه، وقد استدعى إلى عقلي وقلبي ذكرى مؤلمة، هي حادث "مسجد" الروضة بسيناء، نوفمبر 2017، الذي أودى بحياة 305 أشخاص ( 6 أضعاف ضحايا الحادث الأخير) أثناء أداء "صلاة الجمعة"، بينهم 27 طفلًا، في الجريمة الأبشع على المستوى الوطني، ضد مصلين عُزَلْ بين يدي الله، والتي نُفذت باستخدام أسلحةٍ ثقيلة من بينها قذائف صاروخية "آر بي جي"، ورشاشات وبنادق آلية، وعبوات ناسفة.

حادثا "الروضة" و"نيوزيلندا"، اللذان يفصل بينهما نحو عام ونصف، تربُطهما العديد من الدلالات، فمتطرفو النهج الوهابي التكفيري، مثلهم مثل مُعتنقي الفكر اليميني المتطرف، كلاهما يقتبسُ تعاليمه وأفكاره من منبع واحد، يقوم على الإقصاء ورفض الاختلاف إلى حد استباحة الدم، فقاتل المُصلين بـمسجد "الروضة" ببئر العبد بالعريش، اختار مَعقلًا لإحدى الطرق الصوفية، الذين يراهم مغايرين له في الفكر، تمامًا كما اختار قاتل مصلي مسجدي "النور" و"لينوود" بنيوزلندا، من ينتمون لعرقٍ أو عقيدةٍ غير التي يعتنق، فالإرهاب يُثبتُ دومًا أن لادين له أو وطن. 

كلا الحادثين أيضًا انتهك خلالهما "الإرهابُ" الأعراف حين لم يراعي حُرمة دور العبادة، واقتنص غدرًا عددًا من المدنيين العُزل، تمامًا كحادث كنيسة البطرسية بالعباسية بالقاهرة في ديسمبر 2016 الذي سقط ضحيته 29 شخصًا، بعبوة ناسفة، وتبقى نقطة تتصل بحادث نيوزلاندا بالأخص، وهو محاولة البعض ربطه بكراهية المهاجرين بصفة عامة، وليس الإسلاموفوبيا، وهو الادعاءُ الذي يمكن دفعُه ببساطة بالنظر إلى كونِ منفذ الهجوم برينتون هاريسون تارانت، ذو الـ 29 عامًا، هو في واقع الأمر مهاجرًا استراليًا وينتمي لأبوين بريطانيين، بل انني أجد حادث "نيوزيلندا"، نقطة مناسبة لإعادة النظر إلى أوضاع "المهاجرين" بالدول الغربية، الذين يصبح عليهم دومًا أن يدفعوا فاتورة أية أحداث عنف أو جريمة في تلك البلدان، ففي الحادث الأخير، دفع "المهاجرون" حياتهم ثمنًا لتطلعهم للعيش في سلام، في دولة كان من المفترض أنها بمنأى عن مناطق الحروب والنزاعات، وأنهم سيكونون هناك في مأمن من عنصرية اليمين المتطرف في أوروبا بوجهه القبيح. 

وأخيرًا.. ضعوا حدًا للألعاب الإليكترونية التي تُسهم في غرس سلوك العنف، والتي ربما أوحت إلى "تارنت"، مُجرم حادث نيوزيلندا، فكرة بثْ الجريمة بهذه الطريقة على الهواء، في سُلوكٍ غريبٍ مُستهجن، لا يجدُ ما يُبرره، سوى أن خطر تلك الألعاب لم يعد يتوقف عند سلوك من يمارسها، بل غدت تحصد حياة الأبرياء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط