الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.جوزيف رامز أمين: موجز عن العلاقات القبطية الاثيوبية"2"

د.جوزيف رامز
د.جوزيف رامز

جاءت المحطة الأولى فى أزمات العلاقة بين الكنيستين بعد نياحة أنبا متاؤس فى 4/2/1926,فقد بدأت الصحافة الاثيوبية هجوما لاذعا ضده,متهمة اياه بالرجعية والمادية,وباعتباره رمزا "للاستعمار القبطى".والرجل لم يترك مذكرات شخصية ليتسنى من خلالها الحكم على مدى نزاهة هذا الهجوم .لقد استمرت حبريته أربعين عاما وبلغ من القوة والنفوذ مالم يبلغه مطران قبطى قبله.وكان الرجل الثانى فى الدولة بعد "منليك الثانى"الذى أسند اليه تصريف شئون الامبراطورية بعد ما أقعده الشلل.وبدا اثيوبيا:لغة وتصرفا وتطلعا اذ نسب اليه أنه كان يتطلع الى الاستقلال بالكنيسة الاثيوبية ويصير هو رأسها مما يعنى أثوبتها.

وبعد شهور من رحيله,اجتمع المجلس الاكليريكى برئاسة الاتشيجى فى 6/1/1927 لمناقشة موضوع المطران الجديد.وتوصلوا الى قرار بعد ثلاثة أشهر من المناقشات سلموه للامبراطور,ويتضمن:استقدام مطران قبطى جديد ورسامة عشرة أساقفة اثيوبيين لمساعدته.ووجه الامبراطور القرار الى البابا/كيرلس الخامس مع رسالة شخصية ودية .وظل الطلب معلقا حتى عام 1929ورسامة البابا/يؤانس 19 بعد نياحة سلفه.وقتها أرسل الامبراطور" وزير المعارف/سهلو سيدالو" لاستعجال الامور.ولخص الرجل للبابا الموقف بحصافة فى مقارنة بين الكنيستين:

-الكنيسة القبطية :شعبها حوالى مليون نسمة ويرعاها البابا وثمانية عشر مطرانا وأسقفا.

-الكنيسة الاثيوبية:شعبها حوالى عشرة ملايين ويرعاها مطران واحد ليس من شعبها.

وتغلبا على تردد المجمع المقدس خفض الوزير عدد الأساقفة الاثيوبيين الى أربعة بناء على برقية من الامبراطور,وفى 30/5/1929 رسم البابا مطرانا باسم كيرلس الخامس ومعه ثلاثة أساقفة اثيوبيين لأول مرة فى تاريخ العلاقات.ورسم الرابع وهو الأتشجى أثناء زيارته الرعوية لاثيوبيا فى فبراير 1930 هى الأولى من نوعها أيضا.

وفرضت المحطة الثانية نفسها على الجميع حين اخترقت القوات الايطالية الغازية الحدود الاثيوبية فى 2/10/1935,واحتلت العاصمة فى 5/5/1936,وهرب الامبراطور الى الخرطوم ومنها الى لندن.فى البداية طمأن المارشال/بادليو قائد الحملة الأنبا/كيرلس على سلامة الكنيسة واستقلالها الكامل.ولكن الجو تكهرب بعد اعتداء اريترين على المارشال/جرزيانى خليفة بادليو,اذ طالب أنبا/كيرلس باصدار بيان يدعو فيه الشعب بالتزام الهدوء ومهادنة سلطات الاحتلال ,ولما لم يوافق على ذلك طالبه بفصل الكنيسة الاثيوبية واستقلاله بها بحجة أن مصر يحكمها الانجليز أعدى أعداء ايطاليا ,وشجعه على الذهاب الى روما, لما تردد وتلكأ,ليناقش الموضوع مع موسولينى نفسه.وجرت المناقشة فعلا بين الرجلين ولكن لم يتفقا.وغادر أنبا /كيرلس روما الى القاهرة حيث استقر بها حتى عام 1942.فى حين نفذ جرزيانى مشروعه الخاص باستقلال الكنيسة الاثيوبية بعد اقناع الأسقف الاثيوبى "أبراهام" به,والذى أنابه الأنبا /كيرلس ليرعى الكنيسة الاثيوبية أثناء غيابه.وتمت رسامته رئيسا لكنيسة اثيوبيا المستقلة فى احتفال كبير.وبعد نياحته خلفه زميله الأسقف/يوهنس الذى ظل يرأس كنيسة مستقلة عشرين شهرا.فلما تحررت اثيوبيا على غير انتظار فى 5/5/1941 جرد يوهنس من رتبته وطرد من مقره,وانتهت معه "مسرحية"استقلال الكنيسة قصيرة العمر.

علما بأنه تمت خلال هذه "المسرحية" رسامة أحد عشر أسقفا اثيوبيا جديدا.وصدر للكنيسة دستور جديد قسمت البلاد بمقتضاه الى عشرة ايبارشيات بينها اريتريا .وانتزعت أملاك الكنيسة وأوقافها وضمت للدولة وتحددت مرتبات شهرية لرجال الدين.والأهم أن أثوبة الكنيسة الاثيوبية واستقلالها استقرت فى وجدان الشعب الاثيوبى ,ماعدا الحرس القديم ,وهو يشاهدها طوال أربع سنوات ونيف.

وبعودة "هايل سيلاسى"الى عرشه فى 5/5/1941 وبجانبه الأتشيجى ,بدأت سلسة جديدة من المفاوضات بين الكنيستين ,طالبت الوفود خلالها بصراحة وتصميم رسامة مطران اثيوبى الجنسية,وبصلاحيات كاملة لرسامة أساقفة اثيوبيين .ومثل رفض المجمع المقدس برئاسة البابا/مكاريوس للمطلب الاثيوبى فى 8/2/1945 صدمة بالغة لأنه صدر بعد ما زارت اثيوبيا فى 2/6/1944 بعثة كبيرة من شخصيات يارزة برئاسة مطران الدقهلية ,أرسلها البابا/مكاريوس خصيصا لدراسة أحوال الكنيسة الاثيوبية من جميع الجهات,صرفت حوالى أربعة أسابيع فى لقاءات مع كل الفعاليات وعلى رأسها :الامبراطور,كما اجتمعت بوفد اثيوبى كبير برئاسة الاتشيجى.

,وأشعل الرفض القبطى حملة قاسية فى الصحافة والاذاعة ضد الكنيسة القبطية ,وضد وجود مطران قبطى بالبلاد.ووسع الاتشيجى نطاقها باثارة رؤساء الكنائس والأديرة ورجال الدولة,وبارساله الوفود الى داخل البلاد لاثارة أهلها ضد ما أسماه "التعصب السلطوى "للكنيسة القبطية.وبتشكيله هيئة تضم ممثلين مائة عن مختلف أرجاء الامبراطورية المترامية الأطراف ,عن طريق الانتخاب ,لتكون جبهة متحدة ضد الكنيسة القبطية.وعقدت أولى اجتماعاتها فى 18/11/1945 بقاعة الاجتماعات الكبرى بمدرسة سيلاسى اللاهوتية.وتوالت الاجتماعات وكنت أنا-والكلام لـ أ.د.أنطون يعقوب:أسمع صيحات المجتمعين وغضبات المتكلمين.

وجرى التصويت على توصية بقطع العلاقات مع الكنيسة القبطية فى الحال وفازت بأغلبية الأصوات.الا أن الامبراطور رفض الأخذ بها ,وقرر ارسال وفد لمقابلة الأنبا/أثناسيوس القائمقام البطريركى ,وصل القاهرة فى 26/1/1964 وقدم طلباته مجددا,وقرر المجمع المقدس الاستجابة لها بأن يكون المطران الذى يخلف أنبا/كيرلس بعد نياحته اثيوبيا بدون صلاحيات.

لم يطرب الوفد لهذا القرار لأنه يريد أن تتم رسامته فى الحال,وبصلاحيات كاملة,ولجأ الى النقراشى /باشا رئيس الحكومة ,الذى كان من رأيه اجابة جميع المطالب الاثيوبية حفاظا على العلاقات الطيبة بين البلدين.وطلب من المطران /أنبا كيرلس الحضور الى القاهرة للاستئناس برأيه فحضر فى فبراير وأقام بمهمشة حتى نياحته.

-وفى 6/5/1946 وصل الى القاهرة وفد اثيوبى كبير ليشارك فى انتخاب البطريرك الجديد لأول مرة فى تاريخ العلاقات.وبعد رسامة البابا/يوساب الثانى استؤنفت المفاوضات من جديد فى 28/5/1946,واستمرت ثلاث سنوات ظلت خلالها الوفود الاثيوبية مصرة على مطالبها.واستمر المجمع المقدس القبطى يصدر القرار تلو القرار,وفى كل مرة يقترب أكثر من المطالب الاثيوبية الى أن حدثت المعجزة فى 1/3/1948 وأصدر قرارا أرضى الجانب الاثيوبى,جرت بمقتضاه رسامة الاتشيجى أسقفا باسم /باسيليوس ومعه أربعة رهبان أساقفة فى 25/7/1948.وبعد نياحة آنبا/كيرلس فى 22/10/1950,جرى طقس رسامة آنبا/باسيليوس مطرانا لاثيوبيا فى احتفال كبير بالكاتدرائية المرقسية بكلوت بيك يوم 14/1/1951 بحضور رجال الدولة والسفراء وممثلى الطوائف وأعيان الأقباط.

-ونشأت المحطة الثالثة بأزمة تنحية البابا/يوساب الثانى عام 1955 وملابساتها المحزنة ,واعتراض اثيوبيا عليها ورفضها بقوة واصرار.ولما انتهت بنياحته فى 13/11/1956,بدأت أزمة أخرى باعتراض اثيوبيا على لائحة انتخاب البابا الجديد.وجرت الانتخابات مع مقاطعة الجانب الاثيوبى,وتمت رسامة البابا/كيرلس فى 30/4/1959.واهتم قداسته من البداية بالملف الاثيوبى,وأرسل وفدا كبيرا اليها فى 1/6/1959يحمل مشاعر البابا الفياضة نحو الامبراطورية ,وليدعو وفدا اثيوبيا للحضور الى القاهرة للاشتراك فى دراسة"تنظيم جديد" لعموم الكرازة المرقسية.وبمجرد وصول الوفد الاثيوبى جرى تشكيل وفد كبير برئاسة/البابا يضم ممثلين عن اكليروس كل من:مصرواثيوبيا والسودان وأوغندا وأورشليم,وممثلين عن شعوبها.ومهمته الأساسية "تنظيم الكرازة المرقسية كأسرة كبيرة",بتحديد علاقة البابا برؤساء كنائس أقاليم الكرازة,مع تحديد وضعهم ,وانشاء مجمع مقدس عام لها.واستمرت اجتماعات الوفد الكبير ومناقشاته قرابة الأسبوعين"13/6/1959-25/6/1959",وانتهت الى اتفاق كامل حول بروتوكول تم توقيعه فى ختامها,وعرف فيما بعد ببروتوكول 1959.

-ومضمونه يمثل رؤية قداسته الشمولية لأسرة الأرثوذكسية اللاخلقدونية الكبيرة,وتمكين كنائسها من حمل رسالتها الخلاصية بجدية,وتأدية مسؤلياتها الرعوية والخدمية والادارية بهمة,والنشاط الاجتماعى والثقافى المتشعب مع المتابعة والتطوير المستمر.وهى رؤية جليلة تأخرت قرونا وانتظرت شفافية قداسته الروحية والهاماته ليرسم هيكلها ويكون هو البابا الأول على القمة وتحته بطاركة ضغار.وكانت اثيوبيا أول اقليم يحظى ببطركه اذ نص البروتوكول على رسامته وعلى حقه فى رسامة أساقفة.

-ورشح الامبراطور أنبا/باسيليوس مطران اثيوبيا لشغل كرسى اثيوبيا.ووصل القاهرة واستقبل استقبالا حارا.وقام البابا برسامته يوم 28/6/1959 بمشاركة المطارنة والأساقفة الأقباط والاثيوبيين,وبحضور الامبراطور ,ورجال الدولة وأعيان الأقباط.وهكذا حقق البابا/كيرلس السادس حلم اثيوبيا الكبير اذ صارت بطريركية وببطرك جاثليق من أبنائهاوتمتعت كنيستها باستقلالها الذاتى.وقد قام قداسته بزيارة رعوية لاثيوبيا فى 13/9/1960 هى الثانية فى تاريخها.كما زارها 1965 لحضور مؤتمر أديس أبابا للكنائس الشرقية الأرثوذكسية .وبعد نياحة قداسته ونياحة أنبا/باسيليوس جرت رسامة البطريرك الاثيوبى الثانى باسم ثاوفيلس بكاتدرائية سلاسى بأديس أبابابحضور وفد قبطى كبير برئاسة أنبا/أنطونيوس القائمقام البطريركى والامبراطور,حدثت خلالها تصرفات صغيرة ومؤسفة من الجانب الاثيوبى.

-وفرضت المحطة الرابعة نفسهاعلى الجميع حين قام "منجستو " أحد ضباط الجيش الاثيوبى بانقلابه فى سبتمبر 1974 ضد الامبراطور"هايل سيلاسى" وأطاح به ثم عليه فيما بعد.وقبض على البطريرك/أنبا ثاوفيلس الذى ظل مصيره مجهولا لسنوات,الى أن عرف أمر اغتيال منجستو له ودفنه فى مكان مجهول.وحل مكانه بطريرك باسم/تكلاهيمانوت رفضت الكنيسة القبطية برئاسة البابا /شنودة الثالث الاشتراك فى رسامته فى ظل غياب مصير البطريرك/ثاوفيلس.ونشأ عن ذلك انقطاع تام للعلاقات بين الكنيستين حتى سقوط منجستو وهروبه عام 1991.وهروب البطريرك/مرقوريوس الذى خلف تكلاهيانوت بعد نياحته...وله تكملة.

ملحوظة: محطات الأزمات بين الكنيستين:"القبطية والاثيوبية":وذلك استكمالا للمقال السابق نشره حول:ندوة"نحن واثيوبيا",والمتحدث الرئيسى فيها أ.د.أنطون يعقوب: