الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

البعد الغائب في فصل المُوظف المُدمن



"الموظف العام" صورةٌ مُصغرةٌ للدولة، ترى في هيئته رخاءُ البلد وشقائه، ويعدُ سُلوكه مقياسًا لنزاهة الإدارة العامة ودرجة حوكمتها، بل أن كرامته لا تنفصلُ عن كرامة الوطن وهيبته، حتى أن قانون العقوبات المصري نصَ في مادته رقم 133 على تغليظ عقوبة التعدي على ذوي الصفة العامة أو إهانته أثناء تأدية الواجب الوظيفي، فالقانون يكفلُ للموظف العديد من الحقوق، ولكنهُ يرتب عليه عددًا من الواجبات، في مقدمتها أن يعكسَ صُورةً مُشرفة لوطنه.

وافقت الحكومة مُؤخرًا على مشروع قانون لإنهاء خدمة من يثبُت تعاطيه للمواد المخدرة من العاملين بالجهاز الإداري، الأمرُ الذي يمثلُ خطوة هامة ضمن إجراء الإصلاح المؤسسي للجهاز الإداري، الذي لن يستقيم دون النهوض بـ "الموظف العام، باعتباره الركيزة الأساسية لأي مؤسسة، وفي مقدمة ذلك ضبط سلوكه والتأكد من تمتعه بالسمعة والسيرة الحسنة، والتي يعد الإدمان أحد نواقضها، باعتباره مُحركًا لمكامن الشر، ودافعًا للرشوة والجريمة وارتكاب العديد من الآثام.

لفظ العنصر الفاسد ضرورةٌ لإصلاحِ المنظومة، ولكن حين يتعلقُ الأمر بمعيارٍ كتعاطي المواد المخدرة، فالأمر يستحقُ وقفة لالتقاط الأنفاس قبل اتخاذ هذه الخطوة رغم جديتها، فالأرقام الصادمة لمتعاطي المخدرات في مصر تشير في آخر إحصاء رسمي، إلى أن 10% من المصريين يتعاطون المخدرات، بواقع نحو 10 ملايين شخص، بينهم 73% من الذكور، وهو رقمٌ مُرعبٌ، يثير دلائل هامة، أبرزها أن عزل الموظف العام المتعاطي سيحصدُ عددًا لابأس به منهم، الأمر الذي يطرحُ تساؤلًا جادًا هو: كيف سيكون مصير الموظفين المدمنين لدى فصلهم عن العمل ؟

القراراتُ التي تتخذها الدولة يكون لها أثر اجتماعي لا يمكن اغفاله، فإجراءات الاصلاح الاقتصادي التي بدأ اتخاذها منذ 2014 صاحبتها اجراءات لتحقيق العدالة الاجتماعية لتخفيف آثار الاصلاح المؤلمة على محدودي الدخل، وهكذا مُبادرة فصل الموظف العام المُتعاطي للمخدرات سيكون لها أيضًا آثار اجتماعية وربما أمنية، فتحول عددٍ كبيرٍ مُتوقع من الموظفين إلى سلة البطالة، سيفرضُ تأثيرات سلبية أكيدة على أسرهم وأطفالهم والمجتمع بأسره، مثل ارتفاع معدل الجريمة والتسرب من التعليم.

ولعل على الدولة قبل بدأ تطبيق هذه المبادرة، أن تقوم باستقصاء للتوصل إلى حصر مبدأي حول أعداد المدمنين في الجهاز الإداري للدولة، في ظل احتمالية أن يكون عدد مدمني مصر ينحصرُ في الغالب بين العمالة الحرة والموسمية غير المحسوبة على الجهاز الإداري للدولة، حيثُ سيكون هذا الاستقصاء بمثابة "دراسة الجدوى" لهذه الخطوة قبل تنفيذها، وربما على الدولة أيضًا محاولة التأثير على متعاطي هذه المواد المخدرة للتوقف، تحت تهديد فرص خسارة وظائفهم، فالأصلُ هو محاولة تقويم العناصر غير الصالحة في المجتمع قبل فرض العقاب عليهم.

لا شك أن الموظف المدمن لا مكان له في الجهاز الإداري للدولة، ولكن تظل الآثار الاجتماعية والأمنية المُحتملة نتيجة فصل هذا الموظف، هاجسًا يفرضُ على الدولة مسئولية التأني والحذر، عند تطبيق هذا الإجراء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط