الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أربعة أسباب لعودة وزارة التنمية الإدارية


نشر موقع صدى البلد السبت الماضي، تقريرًا أعددته بعنوان "التخطيط: الطريق للإصلاح الإداري"، كان بمثابة القارب الذي أبحرتُ من خلاله وسط دهاليز عمل المؤسسات الوطنية فيما يخصُ ملف "الإصلاح الإداري"، لأجد "خلية نحل" بكُل ما تحمله الكلمة من دلالةٍ ومَعنى، فتحركُ الدولة المصرية في هذا الملف بات يرتكزُ على رؤية واضحة، يتم تنفيذها عبر محاور عمل محددة، وبوتيرة متسارعة تُحقق نتائج ملموسة يومًا بعد الآخر، وكأننا نُسابقُ الزمن لتعويض الكثيرُ من الوقت الذي فات دون إحراز جديد في هذا الملف، ولعل حجم الخطط والبرامج التي تتمُ، والرُؤى التي نستهدف تحقيقها، قد دفعني إلى التساؤل: لماذا تم إلغاء وزارة التنمية الإدارية في صيف 2014 ؟

راودني هذا التساؤل لأول مرة في يونيو 2014، حين لم يرد ذكر وزارة التنمية الإدارية ضمن تشكيل الحكومة الثانية والأخيرة للمهندس إبراهيم محلب، وتم إسنادُ مهامها حينها لوزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري الدكتور أشرف العربي، بعد اقتناص حقيبة "التعاون الدولي" منه وتقليدها للدكتورة نجلاء الأهواني، وحاولتُ تفسير الأمر بأنه توجُهٌ لدمج الوزارات لرفع كفاءة العمل وترشيد الإنفاق، وسرعان ما غدا هذا التفسيرُ غيرُ مُقنع، في ضوء ما شهدته ذات الحكومة من استحداث وزارة جديدة للتطوير الحضاري والعشوائيات، وهو أحد ملفات وزارة الإسكان، والإبقاء على وزارة البحث العلمي رغم ارتباط عملها الوثيق بحقيبة التعليم العالي، وأدركتُ حينها أن هُناك توجهًا وطنيًا لتحقيق التكامل بين عملية "الإصلاح الإداري"، وبرامج "التخطيط والمتابعة"، بإعتبار جميعها تروسٌ تدفع بعضها البعض لتُحقق أهداف التنمية، ولاقى الأمرُ قبولًا مؤقتًا لدي، انتظارًا لنتائج هذه التجربة.

والمُتابع لجهود "الإصلاح الإداري" خلال السنواتُ التي تلت إلغاء وزارة "التنمية الإدارية" يُدركُ أن التحركُ في هذا الملف لم يكن يسيرُ وفق الإيقاع المطلوب، وسط ضغوط عديدة تتعلق بأهمية عنصر الوقت، والهدف القومي المُتمثل في الإعداد للإنتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وكان البُطء سببًا في استحداث وظيفة نائب وزير التخطيط لشئون الإصلاح الإداري، في فبراير 2017، حيثُ أسندت حينها للدكتور صالح الشيخ، صاحب الباع الأكاديمي الطويل في مجال الإصلاح الإداري، حتى تصعيده لتولي رئاسة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، في إبريل 2018، حيثُ لم ينتظر المقعد الشاغر كثيرًا، قبل أن تشغله في يونيو 2018، المهندسة غادة لبيب، ذاتُ الخبرة العملية الواسعة في مجال تحديث العمل الحكومي والتطوير الإداري لاسيما فيما يتعلق بالبنية المعلوماتية للعاصمة الإدارية الجديدة.

لقد مثلت خطوة اختيار نائب لوزير التخطيط لشئون الإصلاح الإداري والتمسك بهذا الاختيار، تأكيدًا على ما أثبتته التجربة العملية عقب إلغاء وزارة التنمية الإدارية، في يونيو 2014، من أن ملف "الإصلاح الإداري" في حاجة ماسة إلى أن يُسند إلى شخص مُعين، ذو مهام واختصاصات مُحددة، ولا يُمكن أن يظل أحد الملفات العديدة المُسندة إلى وزير التخطيط، ويرجعُ ذلك إلى أربعة أسباب، وهي:

§ أن ملف "الإصلاح الإداري" الذي كان يقتصرُ على تنفيذ برامج تدريبية، أو تطبيق عدد محدود من الخدمات الإلكترونية، بات أكثر تشعبًا، حيثُ تم صياغة خارطة طريق وطنية واضحة، ترتكزُ على خمس محاور، يتم تنفيذها حاليًا بالتوازي، وهي تعديلُ التشريعات، والتطوير المؤسسي لرفع كفاءة وحدات الجهاز الإداري، والتدريب وتنمية وبناء القدرات، وتحديث البنية المعلوماتية وتكامل قواعد البيانات القومية، وأخيرًا محور تطوير الخدمات المقدمة للمواطن.

§ إن التركيز الوطني على الإعداد لجهازٍ إداريٍ كُفء قبل الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة، يُلقي على عاتق المسئول عن ملف "الإصلاح الإداري" أعباءُ هائلة حاليًا، تتطلب منه تركيزًا خاصًا، ودعمًا كاملًا، وموارد كبيرة، حيثُ يتمُ اختيار العناصر المطلوبة وتدريبها وتأهيلها، إلى جانب بناء منظومة تكنولوجية مُتطورة تُحقق الربط بين الوزارات داخل العاصمة وخارجها، فضلًا عن تغيير الفكر واستراتيجيات العمل الإداري لدى العاملين بالجهاز الإداري والقائمين عليه.

§ الخطوات التي تتمُ حاليًا لإنجاز محاور الإصلاح الإداري على المستوى الوطني، تتطلبُ متابعة دؤوبة مستقبلًا، لضمان استمرار الجهاز الإداري في العمل بكفاءة وفاعلية عقب التطوير، إلى جانب المواكبة المستمرة لكل جديد، الأمرُالذي يطلبُ وجود كيانٍ قائم على هذه الجهود، وشخص مختص، يُساهم في استكمال الخطط والبرامج التي تتم على مختلف محاور الإصلاح الإداري.

§ وزارة التخطيط والمتابعة غدت تُمثلُ حجر ارتكاز لكافة الإجراءات الحكومية التي تجري على المستوى القومي، حيثُ يستهدفُ الوطن خطط بعيدة المدى في إطار استراتيجية تحقيق التنمية المستدامة "رؤية مصر 2030"، إلى جانب تطبيق اصلاحات هيكلية في مختلف القطاعات، على رأسها الإقتصاد، لتخفيض العجز الكلي، وزيادة معدلات النمو والتشغيل، وخفض نسب البطالة، بالإضافة إلى متابعة معدلات إنجاز المشروعات القومية ودفع العمل بها، وتلك الملفات تفرض مسئوليات هائلة على الوزير المختص بالتخطيط.

هُنا يطرح التساؤل نفسه: لماذا لا تعود وزارة التنمية الإدارية ؟ فملفُ "الإصلاح الإداري" مُثقلٌ بمهام وتكليفات تتسع لحقيبة وزارية، ومُهمتي "التخطيط" والمتابعة" يُشكلان في حقيقة الأمر مسئولية كبيرة على عاتق الوزير المختص، بحيثُ لا يحتملُ الأمر إثقال كاهله بمسئولية جديدة، وربما حان الوقت لوجود "وزير" للتنمية الإدارية، يضطلع بهذا الملف الوطني، يتمتع بقدرٍ أكبر من مرونة الحركة، والقدرة على تنفيذ برامج طموحة، واتخاذ قرارات جادة، ربما أكثر من القدر الذي قدُ يتاحُ لـ "نائب وزير".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط