الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الزحام.. مخاطره وآثاره النفسية


للزحام حسابات علمية دقيقة وآثار نفسية عميقة، سواء كان في مناسبات اجتماعية أو بسبب الزيادة السكانية أو الاثنين معا.. وأيا كان سببه، فأن مخاطر الزحام تتناسب طرديا مع شدته. 
 
علميا، ثبت أنه لو احتوي المتر المربع على سبعة أفراد فأكثر ضمن تجمع ما، كما في الأعياد والمزارات الدينية والمناسبات الرياضية، فإن الفرد يفقد سيطرته على نفسه ويخضع لسيطرة المجموع (مثل صف الدومينو)، بمعنى أنه لو سقط شخص واحد، سيتبعه سقوط المئات أو الآلاف على بعضهم، كما حدث في تدافع الحجاج على جسر الجمرات عام 2915 ووفاة 2121 حاجا غير الإصابات، وحوادث مشابهة كثيرة حول العالم تعكر صفو المناسبات. 

المشكلة في التجمعات البشرية الكبيرة أن الاتصال يكون مفقودا بين مركز الكتلة وأطرافها ومع الوسط المحيط، وتكون النفسيات مهيئة لتصديق الإنذارات الكاذبة والإشاعات، وأي خطأ فردي يدفع ثمنه عدد كبير من التجمع.
والآثار السلبية للزيادة السكانية على الحالة النفسية والسلوك لا تختلف كثيرا عن زحام المناسبات، إلا أن مشكلتها الرئيسية تكمن في نقص الموارد المتاحة وتقلص نصيب الفرد في المساحة، وحظيت باهتمام العلماء وكانت تجاربهم الأولى على الحيوانات خصوصا الفئران، ثم اتجهت بعد ذلك إلى الإنسان. 

عندما أخضعت فئران للعيش في أقفاص مزدحمة جدا لشهور طويلة، ظهر عليها التالي: إسقاط الأجنة، موت المواليد وموت الأمهات أثناء الولادة، أكل الصغار، زيادة معدلات الموت التلقائي وحالات القتل!. ولما أعيد توزيعها لتعيش بأعداد قليلة، لم تعد حالتها النفسية إلى وضعها الطبيعي، ما يعني إصابتها بعاهة ذهنية ونفسية مستديمة.

أما الأبحاث على ازدحام البشر فكانت أسهل، فلا حاجة فيها لاستخدام أقفاص، بل يكفي النظر مباشرة إلى الأحياء المزدحمة والعشوائيات ومخيمات الإيواء ومعسكرات اللاجئين وفي الأسواق ووسائل النقل والمظاهرات، لأن كل هذه الاختناقات مضمونها واحد وتأثيراتها في كل الأحوال متشابهة، مع بعض الخصوصيات لكل حالة.

وسبب تصنيف المظاهرات ضمن حالات الزحام حتى لو حدثت في دولة عدد سكانها قليل، ما قد يحدث فيها من مشاكل، كالاندفاع والتهور والتخلي عن المسئولية والشك في الآخرين، وتحت تأثير اللاشعور يحدث تبرير تلقائي للعنف وتعميم للتصرفات العشوائية والتخريب والحرق وأحيانا القتل.. وفي المخيمات وأماكن الإيواء والعشوائيات مشاعر مشابهة ويزيد عليها غياب الخصوصية وتفشي العدوى والإدمان وانتشار الأوبئة وكثرة شجار الأطفال وتنامي التطرف والإرهاب. 
 
تحت الضغوط السكانية ترتفع المعاناة من ضيق المساحة وشح الماء والغذاء وارتفاع تكاليف المعيشة، ويزيد الصراع لإشباع الحاجة رغم قلة المتاح، وبالتالي تكثر المشاكل العائلية وتتفكك الأسر وتتسرب الأطفال إلى الشوارع ويتعمق الحقد والعداء للمجتمع، خصوصا عندما لا تتمكن من توفير احتياجاتها الأساسية إلا القلة القادرة.
ونتيجة لبذل جهد أكبر من أجل عائد أقل، ظهرت مجموعة من الأمراض أطلق عليها "أمراض العصر" مثل الكآبة وضغط الدم والسكري والربو والأزمات القلبية والموت المبكر والإدمان والإيدز وارتفاع معدل الجريمة. 

ومع تفشي البطالة تنتشر المقاهي والتسكع في محاولة لتحسين الحالة النفسية للإنسان المرهق، وعندما تضيق الطرق بالناس تكثر الاحتكاكات وحوادث الطرق، وفي زحمة الأعياد تبرز مشاكل من نوع خاص كالتحرش وغرق العبارات، ومعاناة الأطفال خصوصا من حوادث المراجيح والألعاب النارية والمفرقعات والتوهان والخطف.
وإن كان نصف سكان العالم يعاني حاليا من الزحام و سوء التغذية، فكيف عندما يتضاعف سكان الأرض بعد 40 عاما ويتضاعف معها الجفاف والتصحر؟ 

وعلى مستوى الدول، تصبح هي الأخرى أكثر عدوانية وتطمع في خيرات غيرها وتحتلها لأسباب اقتصادية حتى لو بررت مطامعها بحجج أخرى، وتشير الإحصاءات إلى موت 55 ألف شخص سنويا بسبب الحروب.

وبطبيعة الحال فإن الإنسان لديه عقل وقدرة على التخطيط، وقابلية للتحمل والتعود والتجاهل وسن قوانين وتعليمات منظمة مثل الطوابير وأرقام الانتظار ونظام الحجز وغيرها، وابتكار مصادر متجددة للدخل، والتوسع في الحدائق والمتنزهات والتفنن في احتياطات الأمان، وكذلك الاستيراد من دول أخرى.. كلها إجراءات مفيدة لكن قد لا تكون كافية إذا اتسع الخرق على الراقع.

انقسم العلماء حول مشكلة الزحام والانفجار السكاني إلى فريقين، فريق متفائل وفريق متشائم. المتفائلون يقولون أن الأرض التي تسع 7.5 مليار حاليا يمكنها استيعاب حتى 100 مليار وتوفير الغذاء والسكن والمياه والتعليم والصحة للجميع لو استخدمت الزيادة السكانية كقوة منتجة وضاغطة لمضاعفة الجهد، ويرون أن في الطبيعة والأفراد ثروة هائلة يجب استثمارها، مثلما نجحت الهند في تحويل المجاعة إلى اكتفاء ذاتي وتصدير الفائض من المواد الغذائية في سنوات قليلة، كذلك رفع المهارات الفردية والاستفادة من تجارب الدول الأخرى، فإنتاجية الفرد الياباني تعادل إنتاجية 30 من مواطني بعض الدول، وعبقريته في حل مشاكل الزحام أدهشت العالم..
 
أما المتشائمون فيرون في الانفجار السكاني نهاية الحياة على هذا الكوكب.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط