الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ليست المرة الأولى.. الولايات المتحدة اشترت جرين لاند عدة مرات وجزر أخرى

جزيرة جرين لاند
جزيرة جرين لاند

أثار طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشراء جزيرة «جرين لاند» الدنماركية، موجة من الجدل حول العالم، عن سبب رغبته المفاجئة في الاستحواذ عليها، ورغم أن الحديث عن رغبته بامتلاكها ليس إلا تسريبات من شخصين حضرا الاجتماع الذي أفصح خلاله عن رغبته، إلا أن سرعان ما انتهت التخمينات والتوقعات برد جزيرة «جرينلاند» الرسمي برفض فكرة البيع بـجملة: «شكرا، نحن لسنا للبيع».

شراء ترامب للجزيرة بدا وكأنه كذبة أبريل في غير موعدها، ورغم تعجب الكثير إلا أن فكرة ترامب ليست غريبة أو مستحيلة، ففكرة الاستحواذ على جزر وأماكن تابعة لبلاد أخرى هو الامر الذي جعل الولايات المتحدة بوضعها الحالي، وهذه ليست المرة الأولى التي يرغب فيها رئيس أمريكي شراء جزيرة أو جزء تابع لبلد آخر، فتاريخ الولايات المتحدة مليء بصفقات التي أبرمتها مع الدول المجاورة، وفقا لما نشر بوكالة بلومبرج الأمريكية.

حصلت الولايات المتحدة على لويزيانا من فرنسا، وفلوريدا من إسبانيا، وألاسكا من روسيا، وجزء كبير من جنوب غرب المكسيك، وكانت الولايات المتحدة قد اشترت الجزيرتين جرين لاند وآيسلندا في ستينيات القرن التاسع عشر، ووافقت هذه الجزيرة حينها بالانضمام إلى الولايات المتحدة لتنفيذ فكرة إحاطة كندا بالأراضي الأمريكية وكانت هذه الأماكن منها.

اشترت الولايات المتحدة أيضا جزر فيرجن، ثم مستعمرة دنماركية أخرى، بالإضافة إلى جزيرة جرينلاند التي اعترفت الولايات المتحدة بسيادة الدنمارك عليها في عام 1917، ولكن لم يستمر الأمر فسرعان ما اكتسبت أكبر جزيرة في العالم أهمية استراتيجية للولايات المتحدة مرة أخرى، ولكن هذه المرة كقاعدة للطائرات الحربية خلال الحرب العالمية الثانية.

جعلت القنبلة الذرية جرين لاند مكان استراتيجي في سنوات ما قبل الصواريخ، خاصة وأنه كان من المهم أن يكون هناك قاعدة للمفجرين بالقرب من حدود العدو، وكانت جرين لاند قريبة جدًا من الاتحاد السوفيتي بحيث يمكن للولايات المتحدة أن تهدد كل روسيا منها، وكانت أيضا قاعدة مثالية لرحلات الاستطلاع.

حاولت الولايات المتحدة شراء جرين لاند مرة أخرى، وعرضت ذلك على الحكومة الدنماركية في عام 1946، ولكن طلبها وقع على آذان صماء على الرغم من أن الجزيرة كانت تضم حوالي 600 دنماركي فقط في ذلك الوقت.

لم تكن الولايات المتحدة بحاجة إلى شراء الجزيرة، ولاحظ تشكيل منظمة حلف شمال الأطلسي ذلك، وكانت الدنمارك عضوا مؤسسا فيها، واتفقت معها وزارة الدفاع للولايات المتحدة في عام 1951 بإقامة قواعد العسكرية التي قد تحتاجها في جرينلاند.

أما الآن وقبل عرض ترامب بشرائها مجددا، فتستخدم الولايات المتحدة قاعدة ثول كجزء من نظام الإنذار المبكر في حالة وجود ضربة نووية روسية، لكن ازدادت أهمية جرين لاند الاستراتيجية مرة أخرى، خاصة بعد نشر روسيا قواتها في القطب الشمالي، سواء العسكريين والمدنيين.

وذلك على عكس الولايات المتحدة صاحبة الوجود الأمريكي الأقوى بالمنطقة وهو أكثر من مجرد قاعدة للقوات الجوية في جرين لاند، وخاصة أن ذوبان الجليد السريع سببا لوصول الولايات المتحدة بسهولة إلى موارد الجزيرة الطبيعية.

ربما لا تزال فكرة شراء الولايات المتحدة لجرين لاند غريبة لأن صفقات الأراضي بين الولايات أصبحت نادرة، ولكن هذا الطلب له أسباب أقوى من غرور ترامب بامتلاكها وضمها لملاعب الجولف الذي يمتلكها بعد أن يذوب الجليد.

فالسبب وراء هذه الصفقة هو أن السيادة تكمن في العالم الحديث مع الشعب، من خلال شراء وبيع الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي يسكنونها بالأرض، وأوضح جوزيف بلشر وميتو غولاتي أستاذان في القانون بجامعة ديوك أن رغبة ترامب بشرائها خطوة لفرض السيادة والسيطرة على العالم بماله.

رفض جرين لاند لعملية البيع للولايات المتحدة كان أمرا متوقعا خاصة وأن ليس لدى الدنمارك أي سبب لبيعها، فهي دولة ثرية وتتمتع بفائض في الميزانية، ويمكنها تحمل الإعانة السنوية التي تدفعها لجرينلاند وهي 500 مليون دولار وتعتبر نفسها أفضل مالك للجزيرة الغير مأهولة بعدد كبير من السكان.

هذا الرفض أيضا كان بسبب سكان جرين لاند البالغ عددهم 56 ألف شخص، والذين لم يرغبوا في تحويل ولائهم إلى الولايات المتحدة، حيث يمنح قانون الحكم الذاتي للجزيرة الذي وافق عليه البرلمان الدنماركي، حكومتها المتمتعة بالحكم الذاتي، حقوقًا أساسية فيما يتعلق بالموارد الطبيعية لجرينلاند، ويأمل العديد من السكان المحليين عدم السيطرة على جزيرتهم أو المساس بـاستقلال جرينلاند.

أما بالنسبة للولايات المتحدة فـ لحماية مصالحها في القطب الشمالي، سيكون من الأفضل أن يعمل ترامب بشكل جدي على توثيق العلاقة مع الحلفاء الأوروبين، بما فيهم الدنمارك والنرويج، وقد يكون هذا التعاون بشكل اقتصادي أكثر منه رغبته في التوسع الإقليمي، وقد يكون ترامب مخطئا في إبداء رغبته في الاستحواذ على الجزيرة الدنماركية، لكنه أثار أزمة سيادة الدول دون قصد.