الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تركيا تبعث عنقاء التطرف من رمادها.. أردوغان يهدي داعش قبلة الحياة.. الانسحاب الأمريكي يهيئ ظروفا مثالية لعودة التنظيم.. وأطراف الحرب السورية منشغلة بمعارك جانبية

دونالد ترامب ورجب
دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان

التعاون الأمريكي الكردي كان مفتاح النجاح في هزيمة داعش
قرار الانسحاب الأمريكي أعطى الضوء الأخضر لأردوغان لاجتياح الشمال السوري
إيران وحزب الله وروسيا غير مكترثين بمنع داعش من تجميع صفوفه
تنظيم القاعدة وجد فرصة لالتقاط الأنفاس في إدلب


في مارس الماضي، أعلن التحالف الدولي لتنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة القضاء على آخر المعاقل الرئيسية للتنظيم في العراق وسوريا، بمشاركة 2000 عسكري أمريكي.

وبحسب مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، كان مفتاح النجاح في القضاء على داعش في سوريا هو تعاون القوات الأمريكية مع قوات محلية كردية، وبالتحديد قوات سوريا الديمقراطية، التي شكلت وحدات حماية الشعب الكردية قوامها الرئيسي.

وأضافت المجلة أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا كان بمثابة ضوء أخضر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتدخل عسكريًا في الشمال السوري بحجة إبعاد القوات الكردية عن حدود بلاده.

لكن مع تشتت جهود القوات الكردية في صد العدوان التركي، وجدت فلول تنظيم داعش فرصة سانحة لإعادة تجميع صفوفها، وأثار هروب العديد من أسرى التنظيم من سجون تحت غدارة القوات الكردية شمال سوريا مخاوف من احتمالات نهوض داعش من رماده مرة أخرى.

وأوضحت المجلة أن تنظيمي داعش والقاعدة لم يكونا قد لفظا أنفاسهما الأخيرة بعد، حتى من قبل قرار الانسحاب الأمريكي والغزو التركي، فلم تزل هنالك جيوب داعشية في شرق سوريا وأخرى تابعة للقاعدة في غرب البلاد.

والآن، مع الانسحاب الأمريكي وانهماك القوات الكردية في صد التوغل التركي، وانشغال الجيش السوري وحلفاءه بأولويات أخرى، لم تعد هناك من قوة متبقية للحيلولة دون انبعاث داعش من جديد، وفي غضون سنوات من الآن ربما تعود سوريا إلى مربع ما قبل الحملة الدولية لمحاربة داعش، مربع الفوضى والإرهاب.

عندما سقط آخر معاقل داعش في الباغوز بسوريا في قبضة التحالف الدولي مارس الماضي، انشغل عدد من قادة التنظيم في إعادة تجميع أشتات عناصره والتمركز في المناطق الريفية، فيما نجح آلاف آخرون في الفرار إلى معاقل آمنة متبقية في سوريا والريف العراقي، ومن بين هؤلاء كان زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي.

وقضى داعش الشهور الأخيرة في إعادة تجميع شتات التنظيم في معاقل ريفية بسوريا، وبدأ بالفعل في مهاجمة دوريات قوات سوريا الديمقراطية، ثم تطورت هجماته لتطال مدنًا وبلدات مهمة في شمال سوريا.

وفي محافظتي الرقة ودير الزور، تنشط مجموعات من داعش لجمع معلومات استخباراتية من شأنها مساعدة التنظيم على التخطيط لعمليات اغتيال واختطاف وتفجيرات انتحارية، بغرض تقويض قدرات قوات سوريا الديمقراطية، وإجبار زعماء العشائر العربية على التعاون معه بدلًا من الأخيرة.

أما تنظيم القاعدة، ممثلًا في هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، فقد وجد فسحة زمنية لالتقاط أنفاسه مستغلًا الفوضى وغياب السيطرة الحاسمة لأي فصيل في مدينة إدلب غربي سوريا، وبعدما كانت إدلب تضم خليطًا من فصائل المعارضة المعتدلة والمتشددة والجماعات المتطرفة، أصبحت تحت سيطرة شبه كاملة من هيئة تحرير الشام.

وأضافت "فورين أفيرز" أن داعش والقاعدة لم يكونا ليجدا فرصة التقاط الأنفاس تلك لولا الانسحاب الأمريكي من سوريا، فمنذ أبريل الماضي خفضت الولايات االمتحدة حجم وجودها العسكري في سوريا إلى النصف، أو إلى 1000 فرد بالتحديد، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية في أغسطس الماضي إن خفض حجم القوات سيؤثر على الدعم المقدم لقوات سوريا الديمقراطية، بحيث ستكون قدرة الأخيرة على خوض معارك طويلة الأمد مع داعش محل شك.

ومن المتوقع الآن أن يتلاشى الدعم الأمريكي للقوات الكردية في شرق سوريا، مع انسحاب القوات الأمريكية، ذلك الدعم الذي كان يشمل تدريب القوات الكردية على تسيير الدوريات وحفظ الأمن والنظام وجمع المعلومات الاستخباراتية.

على أن الاجتياح التركي لشمال سوريا سيدفع القوات الكردية على الأرجح إلى البحث عن نقطة اتفاق مع الحكومة السورية الساعية لاستعادة السيادة على مناطق سيطرة الأكراد، فكلا الطرفين ينظران إلى القوات التركية الغازية باعتبارها عدوًا مشتركًا، وقد سبق للطرفين التعاون في حلب عام 2016 لتقويض بقايا قوات المعارضة السورية شرقي المدينة.

وفي مقابل التعاون مع الحكومة السورية ضد العدوان التركي والسماح برفع العلم السوري في المناطق الكردية، من المتوقع أن يحصل الأكراد على حكم شبه ذاتي في مناطق روج آفا (الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا)، وقد ألمح الأكراد بالفعل إلى استعدادهم للتنازل عن سيطرتهم على مدينتي منبج وكوباني الكرديتين الرئيسيتين.

وختمت المجلة بالقول إن أيًا من أطراف الحرب السورية لا يبدو قادرًا على منع داعش من النهوض مجددًا، فالجيش السوري لم يزل منهكًا من سنوات الحرب ومنهمكًا في معاركه في بقاع أخرى من البلاد، وإيران وحزب الله بدورهما غير مستعدين للاشتباك مع داعش ما لم يهدد الأخير معاقلهما الرئيسية في غرب سوريا وعلى الحدود السورية اللبنانية.

أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهو يطمح إلى ممارسة نفوذ سياسي كبير في المنطقة، وهو لا يهتم بقضايا تبدو فرعية مثل فرار اللاجئين ونمو التطرف، وفضلًا عن ذلك فإن بقاء قدر ما من عدم الاستقرار في سوريا يفيده على نحو أو آخر في تعزيز نفوذه بالمنطقة، وهو يرى أن انتشار التطرف بالمنطقة يهدد أوروبا أكثر مما يهدد المصالح الروسية.

وهكذا فإن الولايات المتحدة بانسحابها من سوريا لا تلقي بإهمال مكتسبات جائت بشق الأنفس وتخذل حلفاءها الأكراد فحسب، وإنما تهيئ الظروف الملائمة لعودة التطرف إلى المنطقة وتهديده المصالح الأوروبية، بل والمصالح الأمريكية نفسها، وعما قريب ستجد واشنطن نفسها مضطرة لمعالجة العواقب الكارثية لقرار الانسحاب من سوريا.