مصر فى دائرة القناص الأمريكي
لازال المشهد ملتبس تجاه تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام "داعش"، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تجر مصر وغيرها من الدول العربية إلى أتون المعركة حتى يكون لها حق التنظير، وإصدار الأوامر والتعليمات وأن يخرج الرئيس باراك أوباما للعالم ليعلن له أن أمريكا خُلقت من أجل محاربة الإرهاب.
فالأزمة الحقيقة لا تكمن فى مجرد تهديد جماعة متطرفة لدولة عظمى، أو قتل 2 من الصحفيين الأمريكيين، لكنه هلع واشنطن من جدوى الضربات الجوية التى تقوم بها، والتي لو فشلت فى القضاء على التنظيم، لن يكون أمامها إلا التدخل بشكل آخر قتالي، على الرغم من أنه أكد مراراً أنه لن يرسل قوات قتالية إلى محيط الحرب الدائر هناك خاصة فى العراق.
لذلك كانت فكرة واشنطن بإلقاء المسئولية على عاتق الدول العربية وتحميل المنطقة تبعات الحرب من باب "أهل مكة أعلم بشعابها" لأنها تدرك عن قناعة أن قواتها لا يمكنها الاعتماد عليها فى الدخول مرة أخرى إلى المنطقة بعد حرب العراق فى 2003، كما أنهم لا يمتلكون بالفعل المقدرة على هزيمة التنظيم الداعشي.
حتى ما تم ذكره من دعم المعارضة فى سوريا لمواجهة عناصر التنظيم والتي تم وصفها بالمعتدلة لا يثنى الخطر الذى يحاط بالمنطقة حيث إن من يدعو للمواجهة يفتقد إلى ابسط الخطط ويجهل تحديد الوقت الذى من الممكن أن يستغرقه لدحر الإرهاب، فضلاً عن أن الإجراءات والتصريحات الأمريكية التى تأتى إلينا تحمل استراتيجة هشة لا تقو على مجابهة الخطر لكنها تحمل بين طياتها مخاطر حقيقية قد يتفاقم معها الإرهاب والصراع.
وبالتأكيد الرئيس الأمريكى لم يجد ضالته المنشودة إلا فى مصر باعتبارها الدولة الكبرى فى المنطقة والقادرة على المشاركة الفعلية، وهذا لا ينم إلا عن خبث سياسى يهدف لتحقيق مآرب أخرى، والتي أولها انشغال مصر بخطر داعش حتى تترك الساحة لإسرائيل تفعل ما تريد فى فلسطين والقطاع، فضلاً عن إجراء عملية تنويم مغناطيسي لها عما يجرى فى ليبيا، وما يحدث فى حلايب بعد إعلانها دائرة انتخابية سودانية، إضافة إلى الحفاظ على جنودها ورجالها وعملائها على الأرض، وإمكانية تفرغهم لتحقيق أغراضها، فما تسعى إليه واشنطن وتريده هو محاولة تجميع القوى العربية ليقوموا بحرب بالوكالة عنها فى المنطقة.
وأظن أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن الآن لن تكون مجال لتبادل الحديث عن تلك الخطط على الرغم من أن وزير الخارحية الأمريكى جون كيري قال مراراً خلال زيارته للقاهرة أن مصر في الخطوط الأمامية لمواجهة الإرهاب، وذلك نظراً لضعف الحبكة الاستراتيجية لمطالب واشنطن بخوض مصر حرب بالوكالة عنها، وباتت معروفاً أن مطالبيته بتقديم بدعم لوجيستى أو تسهيلات جوية وبحرية لن تكون نهاية الأمر لكنها قد تكون بداية لحرب شرسة بين القوات المتناحرة والتي سيتم استغلالها طائفياً وهو ما سيدمر اقتصاديات الدول العربية ويُرجعها مرة أخرى إلى الوصاية الأمريكية والمعونات لتظل القبضة أمريكية والضربة عربية، خاصة أن ما تقدمه واشنطن ليس واقعياً ولا تستند إلى رؤية حقيقة لحل الأزمة، لا يمكنها بمفردها حسم الخطر الداعشى، أو النجاة من دائرة الخطر والتهديد.