الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإعلام.. وسياسة الغرف المظلمة


أذكر أن أستاذي الكبير الراحل مصطفي أمين قال لي: إن دور الصحافة أنها تنير الغرف المظلمة فيتضح السيئ من الخبيث، ويستطيع القارئ أن يحدد موقفه من القضايا العامة.. وما نعيشه من فترة طويلة هو غرف مظلمة لا ينيرها أحد أمام الإعلام فلا معلومة واضحة ولا خبر صحيح.. الصحفي يقاتل للحصول علي الخبر أو المعلومة ولا يجدها.. فلا يجد أمامه إلا أن يستقي معلوماته من وسائل التواصل الاجتماعي "الفيس بوك وتويتر" وغيرها.. فلدينا تراث عميق وتاريخ طويل بأن من يتحدث للإعلام يوضع في القائمة السوداء عند الوزير.. ويتم التنكيل به.. وأنا شخصيًا طوال حياتي الصحفية قمت بعمل حملات ناجحة.. لكن للأسف دفع ثمنها موظفون كان قلبهم علي البلد أعطوني المعلومات الصحيحة الحقيقية وقمت بنشرها وكان مصيرهم النقل أو التهميش والعقاب.
ومنذ سنوات ونحن ننادي بقانون حرية تداول المعلومات.. ولكن نفس العقليات التي تمنع الموظفين من الإدلاء بالمعلومات داخل الوزارات هم أنفسهم من يقومون بوضع قانون تداول المعلومات!!.. فتظهر مشروعات القوانين وتخرج علي مر السنين بلا شكل ولا مضمون..أو تخرج مقيدة للحريات فتفشل عند العرض علي المجلس.. ولا يحصل عليها توافق مجتمعي، فيتم إجهاضها قبل أن تري النور.
ومنذ التسعينيات بل أذكر أنني أكتب عن مشروعات قوانين حرية تداول المعلومات منذ أواخر الثمانينيات وهي جميعًا مشروعات يأتي بداخلها ما يقوضها فدائمًا حرية تداول المعلومات في مصر تصطدم بعشرات التشريعات التي تتضمن ما يبيح الحجب بل وتجريم تداولها وإتاحتها مثلاً المادة 4 من القانون رقم 28 لسنة 1982 تنص على حبس وتغريم مَن يفشي معلومات اطلع عليها بحكم عمله في الإحصاء أو التعداد، وقانون العاملين المدنيين في الدولة يحظر أن يفضي أي موظف بأي تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف أو غير ذلك من طرق النشر.. ولن أتحدث عن مشروعات قوانين أواخر الثمانينيات ولا التسعينيات ولا حتي سنه 200 سأقفز إلي عام 2013، عندما أعلنت وزارة العدل المصرية مشروع قانون جديد لحرية تداول المعلومات أتاح الاطلاع على الوثائق بعد 25 عامًا على صدورها، إلا أنه قيدها بعبارة "ما لم يمس الأمن القومي".. وأمام هذا التقييد، انتفض الجميع واعتبروا أن ذلك يمثل انتقاصاً من حرية تداول المعلومات وظل كما هو.. ولكن لم يكن هذا المشروع وحده هو الذي يتضمن ما يهدمه من الأساس فكل القوانين بها بنود تلغي القانون من أساسه فنري بها مادة مقيدة لهذه الحرية إلا ما يكدر الأمن العام مثلاً.. وأنت حر في تداول المعلومات ولكن عليك ألا تقترب من مصادر المعلومات فلا يجب علي الموظف أن يفشي أسرار عمله ويعطي معلومات للصحافة ووسائل الإعلام وإلا سيطاله عقاب صارم.
نحن نحتاج أن نحرّر عقولنا ونعرف أن حق المواطن في المعرفة حق أساسي كفله الدستور.. وهناك العديد من المواقف خلال الشهرين الماضيين، كانت بسبب عدم الشفافية وعدم وجود المعلومات الصحيحة.. قضية "ريجيني" مثلا كانت بسبب عدم وجود معلومات.. وقضية تيران وصنافير كانت بسبب عدم وجود معلومات صحيحة.. وعدم المكاشفة مع الإعلام.. لو كان تم الإعلان عن هذه القرارات ومكاشفة الشعب بالمراسلات والمعلومات والمكاتبات والسجال بين جميع الأطراف كان الشعب تفهم وتفاعل.

وهناك نظريات لتوجيه الرأي العام تعتمد علي المعلومة الحقيقية والصحيحة والشفافة والواضحة.. ومن يتخيل أن توجيه الرأي العام عبارة عن عبارات تحفيزية وحماسية فقط فهو لايعلم الإعلام جيدًا.. الإعلام يعتمد علي الحقيقة والمعلومة الصحيحة التي تقدم للمواطن وتحترم عقليته فيتفاعل مع مصلحة البلد ويقف بجوارها.. المظاهرات التي خرجت أول أمس الجمعة خرجت بسبب غياب المعلومة.. والشعارات التي تم تداولها سببها التعتيم الإعلامي.. علينا أن نكاشف أنفسنا أولا ثم نلقي بالتهم إما علي الإعلام أو علي التيارات أو علي المعارضين.. كل هؤلاء مخطئون.. ولكن الخطأ الأساسي هو التعتيم وغياب المعلومة وعدم المصارحة والمكاشفة.. من يعتم هو المسئول عما يحدث.. فهناك أوامر واضحة في كل وزارة بعدم الحديث أو إعطاء معلومات، من يخالفها يتعرض للإقصاء والنفي والتهميش من الوزير.. لا نقول إن تسود الفوضي ولكن لابد من عقاب صارم لمن يحجب المعلومات الحقيقية.. الإعلام عليه أن يُلبي احتياجات المجتمع واحتياجات الشعب للمعرفة وإلا فلنغلق الإعلام ويرحل.. فالدولة لا تعطي المعلومة وقد جرّبنا متحدثًا رسميًا ومسئولاً إعلاميًا.. لكن هؤلاء لا يقدمون إلا إنجازات الوزارة فقط علينا أن نصدر قانوناً لحرية تداول المعلومات لا يفرض القيود ويمنع المعلومات.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط