قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مثلث الإحباط القومي

0|عــمرو ســهل   -  

إن أزمة تسريب امتحانات الثانوية العامة كانت بمثابة ضوء كاشف لمدى عجز الدولة المدنية وترهل أركانها لتتحول في لحظات إلى مريض يصارع الموت في غرفة الإنعاش لا يجدي معه إلا الدعاء لكن القضية الأكبر التي تشغل بالي أطرافها ثلاثة يشكلون ظاهرة متنامية يراد أن تتعاظم في حياة المصريين وهي "الإحباط القومي" الضلع الأول هم الأشخاص المتورطون في هذه الأزمة الذين لم يكن لهم هدف في ما فعلوه إلا إشاعة الإحباط وأن الدولة التي تتمسكون بها وتستظلون بقيادتها لا تملك أن تحميكم فلا تصدقوها ولا تبكوا عليها إن رأيتم من يهدمها وهم كهؤلاء الذين يقتلون عشوائيا بغرض الانتقام لايرقبون في من يقتلون إلا ولا ذمة بل يشفون غليلهم ضد أعدائهم مهما بلغت الخسائر أو تزايدت الضحايا كذلك فعل هؤلاء فإن تسريباتهم كانت تهدف لإحراج النظام وإشعال الغضب تجاهه ولو بتضييع مستقبل أبنائه وإهدار جهدهم وجهد آبائهم الذين تعتصرهم الحياة وطلب الرزق والهدف الأسمى هو اكتمال أحد الأضلاع في محور الهدم وهو شيوع الإحباط وفقدان الأمل في مستقبل آمن .

الضلع الآخر وهو الدولة التي هي بلا شك مسئولة مسئولية كاملة عن حدوث تلك الأزمة فإن الرئيس السيسي عندما استدعاه المصريون لنجدتهم في ثورة الثلاثين من يونيو لم يكونوا يستدعونه بصفته الشخصية بل كانوا يستدعون الرسوخ الذي تتمتع به تلك المؤسسة التي ينتمي إليها وهي الجيش إن هذا الرسوخ الذي تعلقت به أنظار المصريين لم يكن من فراغ ولننظر في الكيفية التي ينظم الالتحاق بها للجيش فحوصات وانتقاء واستقصاء لكل فرد قبل أن تسند إليه أي مهمة صغرت أم كبرت لأجل هذا استدعي السيسي ليستنسخ هذا الانضباط وهذه المسئولية إلى الدولة المدنية التي لا يعرف كيف ينضم إلى أجهزتها أفراد لا يسأل أحد عن كفاءاتهم أو انتماءاتهم أو مدى قدرتهم على الإنجاز لذلك تبدو الدولة عرجاء تسير بشق مائل يثقل كاهل الجيش ويحمله تبعات الأزمات ويثقل كاهل الأمن ويورطه في ثأر مع الشعب.

إن تأمين الثانوية يجب ألا يقل أهمية عن تأمين حياة الرئيس أو توفير السلاح وتنويع مصادره للجيش أو إمداد الشرطة والهيئات الأمنية بما تحتاجه لأداء مهامها كما أن المشروعات التي قدمها السيسي في أول عامين من حكمه ليست كافية على عظمتها أن تخلد اسم السيسي في سجل عظماء مصر البناءين فإنجاز السيسي الأبقى في حياة المصريين يوم أن يؤسس دولة مدنية قوية بجهاز حكومي يضم أمناء أكفاء لا أن نترك الأجهزة المدنية من وزارات ومحافظين وتنفيذيين كلأ مباحا وبوابة خلفية لإدارة منظومة الإحباط التي تستعر نيرانها شيئا فشيئا.

الضلع الآخر في مثلث ظاهرة "الإحباط القومي" هو الإعلام الذي لا يختلف حاله عن حال الجهاز المدني في الدولة فلا معيار للعاملين فيه ولا ميثاق شرف يجمع صناعه ولا مايسترو يقود مسيرته لذلك تعامل الإعلام وقنوات الفضائيات مع الأزمة وكأنه يرصد أزمة في بلد آخر لا مسئولية مجتمعية لا موضوعية في التناول لا تقديم لحلول وتحولت وسائل إعلامنا فجأة إلى سرادق كبير يضم من يلطم الخدود ومن يشق الجيوب ومن يبكي كالتماسيح غياب تام لمدى الإحباط الذي يزرعه ومدى العبث الذي يلهو فيه بقلوب تحتاج إلى المواساة وتضميد الجراح .

إن التسريب في حياتنا لا يتوقف على امتحانات الثانوية العامة فهو جزء من تسريب أخلاقي كبير يشمل كل حياتنا فجشع التجار لا يقل دناءة عن مسربي الامتحانات وصناع الدراما الفاسدة لا يقلون دناءة أيضا ومحتكرو السلع والمتاجرون بمصائر الناس لا يقلون حقارة عن هؤلاء .. ويوم أن ينجح الرئيس السيسي في أن ينهض بالأداء المدني للدولة ليبلغ أداءها الفذ على الصعيد الأمني والعسكري فهو اليوم الذي تكون مصر فيه "قد الدنيا " كما يحلو له التعبير ..وإن لم يتحقق ذلك فلا قيمة لأي إنجاز لغياب من يحافظون عليه.