الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انتهاك آثارنا جريمة لن نغفرها


أصبحنا في الفترة الأخيرة نشهد جرائم في حق الآثار والحضارة المصرية لا يصدقها عقل.. الصورة المتداولة للبلدوزر الذي يحمل تمثال رمسيس، والتي تم التقاطها أثناء استخراج تمثالين ملكيين من الأسرة الـ 19، عثرت عليهما البعثة الأثرية المصرية الألمانية المشتركة بسوق الخميس.. والذين تم العثور عليهما على هيئة أجزاء في محيط بقايا معبد الملك رمسيس الثاني ،الذي بناه في رحاب معابد الشمس بمدينة أون القديمة.

هذه الصورة الصادمة لأي محب لبلده أو عاشق للآثار أو حتى يفهم ماذا تعني كلمة آثار في حياة الشعوب.. من تراث إنساني يحترمه العالم كله ويحترمه كل مهتم بالتاريخ.. اليونسكو يعتبره تراثا للإنسانية كلها وليس لدولة بعينها.. عندما يمنحنا الله كنزا بهذا الحجم.. وبهذه الطريقة، فنستهين به بهذا الشكل المخجل والمهين لمصر وكرامتها .. فلا بد أن نفتح تحقيقا عاجلا فيمن تسبب في هذه الجريمة.. فالجرائم في حق الآثار المصرية ليست فقط في طريقة التنقيب أو الصيانة.. لكنها جرائم مختلفة من انتهاك إلى سرقة إلى تدمير.

كل الجرائم التي يمكن أن ترتكب في تاريخ أمة أو في حق آثار وتراث إنساني، ترتكب الآن.. وهذا ليس هجوما على وزير الآثار، ولكن كنت أتوقع أن تقدم لجنة الآثار بمجلس النواب.. أو أن يتقدم أي نائب بطلب استجواب وتحقيق في واقعة تمثالي رمسيس وآثار المطرية.. ولكني لم أجد أحدا يقدم أي استجوابات.. الكل يشاهد، والكل يتفرج على هذه الجرائم بقلب بارد.

الصور تملأ العالم ولا أحد يهتم.. وبدلا من الحديث عن الكشف الأثري النادر تحدثت الصحف العالمية عن الفضيحة الأثرية وعن عشوائية الحفر والتنقيب التي دمرته وصورة للبلدوزر الذي يحمل التمثال والأطفال يلعبون فوق رأسه .. انتهاك لآثارنا واستهانة بتاريخنا وحضارتنا، وهي جريمة لن نغفرها ويجب محاكمة من يرتكبها.

آثار مصر هي كرامتها وهي شرفها، وهي حضارتها، وهي محط أنظار العالم كله.. والسبيل الوحيد للخروج من الأزمة الإقتصادية.. لو تعلمنا كيف نضعها في مكانها المحترم لتجذب السياحة الثقافية التي تتنافس عليها دول العالم، ولكن الحالة المتدنية التي وصلت إليها تحرم مصر من مليارات الدولارات التي يمكن أن تدرها آثارنا.

من يستطيع أن يذهب هذه الأيام إلى منطقة الهرم العجيبة القديمة الوحيدة الباقية على وجه الأرض.. إذا تجرأت وذهبت هناك ستجد مهازل المتسولين يتجاذبونك .. ثقافة اخطف واجري، وأن يتم تحصيل مبالغ من السياح بأي طريقة وبأي شكل، لدرجة أنه لم تعد نكتة أن تركب الجمل ب10 جنيهات، وأن تنزل من عليه ب 50 جنيها.

لابد أن نفيق أيها السادة، تاريخ مصر وكرامتها وشرفها ينتهك ولا بد من فتح تحقيق عاجل وحملة قومية لإعادة الاحترام لتاريخ مصر وآثار مصر.. فالآثار المصرية تباع عن طريق الإنترنت ويتم تهريبها للعالم كله وصالات المزادات العالمية تعلن عن آثارنا وتبيعها بالمزاد، ولا نعرف كيف وصلت إليها وكيف خرجت من مصر.

المشكاوات من العهد المملوكي والآثار الإسلامية والقبطية والفرعونية.. كلها يتم عرضها في صالات المزادات، ويتم تداولها ونحن نقف عاجزين.. كيف يحفر الناس تحت بيوتهم في المناطق القديمة مثل منطقة المطرية التي اكُتشف فيها تمثال رمسيس الثاني، وهي منطقة أثرية كاملة، كان اسمها قديما مدينة أون، ومعناها مدينة الشمس، كانت مقر إقامة ملوك مصر الفرعونية .

ويكفي أن سوق الخميس بالمطرية، يقام فوق موقع من أهم المواقع الأثرية، وسبق أن تم اكتشاف بقايا معابد للملك إخناتون والملك تحتمس الثالث والملك رمسيس الثاني بداخله.. لقد فرطنا في كثير من الأراضي الأثرية، ومنها منطقة المطرية وتم بيعها لمواطنين دون الكشف إذا كانت تحتها آثار أم لا.. وتركناهم يستغلونها كيفما شاءوا دون حسيب أو رقيب.. هذه المناطق لابد من فرض رقابة عليها ومنع الحفر أو الإنشاء إلا بوجود مسئول من الآثار يحضر كل مراحل الحفر أو الإنشاء.

هناك مع الأسف العديد من البلاغات يتم تقديمها يوميًا بخصوص الحفر في منطقة المطرية ومناطق عديدة في مصر، ولاندري إلى أين تنتهي.. فالآثار يتم العثور عليها، ويتم العبث بها وتتحطم أو تهرب وتباع،  ويتم عرضها علنا، حتى أن بعض كبار عشاق الآثار يطلبون ترك الآثار مدفونة في أماكنها تحت الأرض، وعدم الكشف عنها، بدلا من إيجادها وتحطيمها أو تدميرها والاستيلاء عليها.. حتي تأتي أجيال تحترمها.. انتهاك آثارنا جريمة لن نغفرها ولن تغفرها الأجيال القادمة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط