قال الدكتور سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف سابقًا، إن الله تعالى يقبل توبة عبده العاصي في أي وقت ما لم يكن في غرغرة الموت ووصول الروح إلى الحلقوم، أو ظهور الشمس من المغرب.
وسرد «عبد الجليل»، خلال تقديمه برنامج «المسلمون يتساءلون»، المذاع على فضائية «المحور»، قصة الرجل الذي قتل مائة نفس وأراد التوبة إلى تعالى، التي قصها النبي صلى الله عليه وسلم، ورواها الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر الحديث الذي روي عَنْ أَبِيْ سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْنَّبِيَّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ فِيْمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ نَفْسا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ اهْلِ الْأَرْضِ، فَدَلَّ عَلَىَ رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ نَفْسا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَّوْبَهَ؟! فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَدَلَّ عَلَىَ رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُوْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْتُوْبَةٍ؟! انْطَلِقْ إِلَىَ أرْضَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسا يَعْبُدُوْنَ الْلَّهَ تَعَالَىْ، فَاعْبُدِ الْلَّهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَىَ أرْضَكَ، فَإِنَّهَا أرْضَ سُوَءُ.
فَانْطَلَقَ حَتَّىَ إِذَا نَصَفَ الْطَّرِيْقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَخْتَصَّمّتِ فِيْهِ مَلَائِكَةُ الْرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ. فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبا مُقْبِلا إِلَىَ الْلَّهِ تَعَالَىْ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةٌ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرا قَطُّ فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِيْ صُوْرَةِ آَدَمِيٍّ فَجَعَلُوْهُ بَيْنَهُمْ - أىَ حُكْما - فَقَالَ قِيْسُوْا مَا بَيْنَ الأرَضِيْنَ، فَإِلَىَّ ايَّتِهُما كَانَ أَدْنَىَ، فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوْا فَوَجَدُوْهُ أَدْنَىَ إِلَىَ الْارْضِ الَّتِىْ أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الْرَّحْمَةِ» حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وأوضح أن هذه قصة رجل أسرف على نفسه بارتكاب الذنوب والموبقات، حتى قتل مائة نفس، وأيُّ ذنبٍ بعد الشرك أعظم من قتل النفس بغير حق، ومع كل الذي اقترفه إلا أنه كان لا يزال في قلبه بقية من خير، وبصيص من أمل يدعوه إلى أن يطلب عفو الله ومغفرته، فخرج من بيته باحثًا عن عالم يفتيه، ويفتح له أبواب الرجاء والتوبة، ومن شدة حرصه وتحرِّيه لم يسأل عن أيّ عالم، بل سأل عن أعلم أهل الأرض ليكون على يقين من أمره، فدُلَّ على رجل راهب، والمعروف عن الرهبان كثرة العبادة وقلة العلم، فأخبره بما كان منه، فاستعظم الراهب ذنبه، وقنَّطه من رحمة الله، وازداد الرجل غيًّا إلى غيِّه بعد أن أُخْبِر أن التوبة محجوبة عنه، فقَتَل الراهب ليُتِمَّ به المائة.
وتابع: ومع ذلك لم ييأس ولم يقتنع بما قال الراهب، فسأل مرة أخرى عن أعلم أهل الأرض، وفي هذه المرة دُلَّ على رجل لم يكن عالمًا فحسب، ولكنه كان مربيًا وموجهًا خبيرًا بالنفوس وأحوالها، فسأله ما إذا كانت له توبة بعد كل الذي فعله، فقال له العالم مستنكرًا ومستغربًا: ومن يحول بينك وبين التوبة؟، وكأنه يقول: إنها مسألة بدهيَّة لا تحتاج إلى كثير تفكير أو سؤال، فباب التوبة مفتوح، والله عز وجل لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ورحمته وسعت كل شيء.
واستطرد: وكان هذا العالم مربيًا حكيمًا، حيث لم يكتف بإجابته عن سؤاله وبيان أن باب التوبة مفتوح، بل دلّه على الطريق الموصل إليها، وهو أن يغيِّر منهج حياته، ويفارق البيئة التي تذكره بالمعصية وتحثه عليها، ويترك رفقة السوء التي تعينه على الفساد، وتزين له الشر، ويهاجر إلى أرض أخرى فيها أقوام صالحون يعبدون الله تعالى.
واستكمل: وكان الرجل صادقًا في طلب التوبة، فلم يتردد لحظة، وخرج قاصدًا تلك الأرض، ولما وصل إلى منتصف الطريق حضره أجله، ولشدة رغبته في التوبة نأى بصدره جهة الأرض الطيبة وهو في النزع الأخير، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كل منهم يريد أن يقبض روحه، فقالت ملائكة العذاب: إنه قتل مائة نفس ولم يعمل خيرًا أبدًا. وقالت ملائكة الرحمة: إنه قد تاب وأناب وجاء مقبلًا على الله، فأرسل الله لهم ملكًا في صورة إنسان، وأمرهم أن يقيسوا ما بين الأرضين؛ الأرض التي جاء منها، والأرض التي هاجر إليها، فأمر الله أرض الخير والصلاح أن تتقارب، وأرض الشر والفساد أن تتباعد، فوجدوه أقرب إلى أرض الصالحين بشبرٍ، فتولت أمره ملائكة الرحمة، وغفر الله له ذنوبه كلها.