الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أفكار شوقي.. خطط تحاربها القطط


على مدار السنوات الطويلة الماضية، دفعتني مهنتي كمحررة صحفية مسئولة عن ملف التعليم في مصر، لأن أعايش مع المصريين مشاكلهم ومعاناتهم مع نظام التعليم المطبق في بلدنا، فرصدت من خلال عملي واقع مدارسنا المتهالكة ذات الفصول المكدسة بالطلاب، ومناهجنا العقيمة، ومعلمينا الذين يعانون من ضعف المرتبات، ما جعل بعضهم يهتم فقط بـ"سبوبة الدروس الخصوصية"، تلك السبوبة التي يعاني من مصاريفها رب كل أسرة، بالإضافة إلى مشاكل تعيين المعلمين، وأزمة انعدام الانضباط المدرسي وسوء العلاقة بين المعلم والطالب وولي الأمر، وبعبع الثانوية العامة، وكارثة الغش في الامتحانات، وبيزنس المدارس الخاصة والدولية الذي أصبح ينهب آلاف الجنيهات من جيوب أولياء الأمور بشكل غير قانوني وبدون أن تتم محاسبة أحد.

كل هذه الأزمات وأكثر كانت سببا في علو صرخات المواطنين في كل مكان طوال الفترة الماضية رافعين شعار "عايزين تعليم محترم".. كما علت أيضا أصوات التربويين الذين ظلوا يطالبون الدولة بوضع التعليم في أولى الأولويات لتحسين حالته المتردية قبل فوات الأوان.

ولكن رغم تعدد الوزراء الذين تولوا زمام أمور التعليم في مصر طوال السنوات الماضية، إلا أنه – مع كامل الاحترام للجميع - لم يفلح أي منهم في تغيير الوضع "جذريا" رغم وعودهم وتصريحاتهم اللامعة، ولذا استمرت الانتقادات والصرخات، وكثرت البيانات والاحتجاجات المطالبة بالعمل على حل المشاكل التعليمية، وبدأنا نردد مقولة "لا تنهض الأمم إلا بالتعليم".

وبعد هذه السنوات الطويلة.. شاء القدر أن يتولى وزارة التعليم وزير مختلف ليس فقط في الاسم ولكن في طريقة التفكير والتعبير والتصريح، فأطل الدكتور طارق شوقي على جموع المصريين بأفكار ومقترحات وآراء وقرارات جديدة وجريئة، أراد من خلالها أن يرسل للمصريين رسالة نصها "انتظروا في عهدي تعليما أفضل".

فأعلن "شوقي" أنه يخطط لإعداد نظام جديد، يحول العملية التعليمية القائمة على الحفظ والتلقين إلى عملية استفادة واستمتاع وبحث وتفكير وإبداع، ووعد بأن يقضي تماما على بعبع الثانوية العامة بمجموعها ودروسها ومناهجها العقيمة، مشيرا إلى أنه سيهادي المصريين بنظام ثانوية يخرج "طالب فاهم مش حافظ"، مع إلغاء نظام المجموع واستبداله بتقديرات تراكمية تقيم الطالب طوال سنوات المرحلة الثانوية من خلال امتحانات تحريرية وشفهية وأنشطة وأبحاث وحضور وسلوك، بالإضافة إلى تغيير سياسة القبول بالجامعات بإلغاء مكتب التنسيق، ليتاح للطالب أن يدخل الكلية التي يريدها وفقا لقدراته وميوله وليس وفقا لمجموعه.

إلا أن المفاجأة أن كل هذه الأحلام الجميلة التي وعد "شوقي" بتحقيقها تلبية لما كان يطالب به المصريون طوال السنوات الماضية، قوبلت من جانب البعض بموجة عالية من الهجوم والسخرية، وأصبح المصريون المطالبون بتطوير التعليم هم أنفسهم من يهاجمون هذا التطوير من باب الخوف من التجربة تحت شعار "ولادنا مش فئران تجارب".

وهو رد الفعل الذي استوقفني وأعتقد أنه استوقف الوزير شخصيًا.. حيث أصبحنا نتساءل: "هي الناس عايزة إيه؟ إزاي بيطالبوا بالتطوير وفي نفس الوقت بيرفضوه؟!".

وبعد تفكير عميق ومناقشات واستماع لآراء المواطنين.. اكتشفت أن المصريين أصبحوا مثل القطط، بينهم قلة تشبه "القطط التي تأكل وتنكر"، وهم القلة الذين يهاجمون الوزير طوال الوقت عبر كتائبهم الإلكترونية على "فيس بوك"، على الرغم من تعاملهم المقرب مع هذا الوزير وعلمهم بحجم المجهود الذي يبذله خلف الكواليس من أجل تحسين المنظومة بأكملها وحل مشاكلها، ويأتي هذا الهجوم لأسباب ومصالح خاصة هدفها الأساسي إسقاط شعبية الوزير لمجرد أن وجوده أصبح خطرًا على مصالحهم بشكل أو بآخر.

وعلى جانب آخر، هناك بعض آخر من المصريين يشبهون نوعية مختلفة من القطط، وهي تلك التي تأكل أبناءها خوفا عليهم، وهذا النوع يتمثل في هؤلاء المصريين الذين يتمنون من داخلهم أن يتم اتخاذ خطوات جادة لإصلاح التعليم ليتعلم أبناؤهم تعليما أفضل في المرحلة المقبلة، إلا أنهم في الوقت نفسه من كثرة خوفهم على أبنائهم من أي احتمالية لحدوث أي خطأ أثناء هذا التطوير، قرروا أن يقتلوا أبناءهم برفض التغيير وقبول استمرارهم في نظام التعليم الحالي العقيم رغم تأكدهم من أنه "تعليم مالوش لازمة".

أعلم أن كلماتي وتشبيهاتي السابق ذكرها، قد تثير غضب البعض تجاهي، كما أنني متأكدة من أن البعض سيخرج بعد قراءة هذا المقال وهو يردد سرًا أو علنًا مقولة "دي صحفية طالعة تلمع الوزير علشان مصلحتها"، ولكنني أؤكد أن كل ما ذكرته من تشبيهات ليس مقصودا منه أبدا توجيه أي إساءة لأي طرف من الأطراف، كما أنني أؤكد أنني لم أقصد نهائيا في هذا المقال إلا الاعتراف بحقيقتنا المؤلمة، فأنا على يقين من أن جميعنا متفقون على ضرورة نسف المنظومة التعليمية العقيمة الموجودة حاليًا إنقاذًا لأبنائنا، ولكن أزمة معظمنا تكمن في الخوف.

أيها المواطن.. من حقك أن تخاف على أبنائك من احتمالية الخطأ، ومن حقك أن تقلق، خاصة أن الوزير لم يعلن عن رؤيته الخاصة بتوفير الإمكانيات والمناخ المناسب لتحقيق كل ما يحلم به من خطط تطويرية.

ولكنني أطالبك بأن تحرص على أن تكون نسبة خوفك وقلقك طبيعية ومرنة، بحيث تكون هذه النسبة قابلة للانخفاض أو الارتفاع بعد أن تستمع من الوزير لخطته النهائية بكامل هيئتها وآلياتها وضمانتها وضوابطها، فعليك أن تعلم أن الوزير لم يطرح حتى وقتنا هذا إلا مجرد أفكار وعناوين لما يدور في ذهنه، وبالتأكيد ليس من المنطقي بل وليس من العدل أن تبني خوفك ورعبك ورفضك على مجرد عناوين.

أيها المواطن.. من حقك أن تعترض.. ولكن عليك أن تعترض على تفاصيل وليس عناوين.. وعليك أن تقدر جيدًا أن طرح خطة متكاملة لتطوير التعليم هو أمر أكبر و أصعب بكثير من أن يتم وضعه وطرح تفاصيله بين ليلة وضحاها.. ولهذا أقول لكل مواطن: اصبر ثم اسمع.. ثم فكر.. ثم ناقش.. ثم اعترض.

عزيزي المواطن.. أؤكد لك أن المعارضة العمياء ستجعلنا دائمًا محلك سر.. فمن فضلك لا تسير في صفوف فريق أصحاب المصالح الذين يحرضونك على المعارضة خوفًا على "مصالحهم".. ولا تنضم أيضا لصفوف المعارضين الذين يعارضون بحجة الخوف على أبنائهم من احتمالية الفشل.. فلن نحقق حلم تطوير التعليم إلا بالسير في طريقه وتحمل كل ما سلبياته وإيجابياته.. فالتعليم الجيد هو هدف يستحق التجربة والمحاولة والسعي.

عزيزي المواطن.. إذا أضعت من يدك فرصة تطوير التعليم الآن بحجة خوفك على أبنائك، فستكون بذلك قد حكمت على أبناء مصر كلهم بالموت.. لأن التعليم بذلك سيظل دائمًا ضحية القطط التي تأكل أبناءها من خوفها عليهم وأيضًا القطط التي تأكل وتنكر!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط