الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نوران الراضى تكتب .. في الحب والأدب : غراميات تتحدى الشيب وحدود البلاد‎

صدى البلد

كُتاب الغد سذج والقراء مرهقون. وأصحاب الأقلام الجديرة يترفعون بكتبهم المدروسة بعناية. لا تعجب إن استغرق كتابهم الوليد 13 عاما.. كتحفة أثرية باهظة تأبى أن يتناولها العامة قبل اكتمال بريقها.. فتعمي الجهلاء و تزيد المتنورين ضياء!

يقول بلال فضل عن منعدمي الموهبة الذين يعتلون مبيعات معرض الكتاب: “القراءة للجميع أما الكتابة لذوي النفوذ والأموال” والثانية أرجح. ينعكس عن هذه النظرية انعدام الذوق الأدبي لدى الكُتيبات المباعة في الآونة الاخيرة! فالكِتاب الحديث ظاهره العمق و زخرفة الغلاف، و المحتوى فارغ غير محدد الأسباب و أجوف من الإفادات. سعي دور النشر وراء الكسب و غض الطرف عن أحقية العمل المقدم هي القشة التي قسمت ظهر البعير. إذا قام أحدهم بإحصائية لمدى التدهور الأدبي الذي انحط بالقراء العرب في القرن ال21 سيجد ذروتها في يومنا هذا.

الخلل الأصلي يتمثل في الموضوعات المطروحة، و تطرق غير المحترفين في الأدب الساخر، مما أدى إلى فكاهة الموضوع و السرد و ركاكة الأسلوب. تحول الكاتب إلى عارض ” ستناد آب كوميدي” يبلغ سعر نكاته ثلاثين جنيهًا. لا تندهش بقارئ شاب لا يعرف عبد الوهاب المسيري و أمل دنقل. لكنه قرأ ما يفوق ال40 كتابًا على الشاكلة السابق ذكرها. جلّ ما يثير اهتمامه: أزمات الحب و الغرام. و الأشعار المدتنية التي ترفعت المعاني
والأفكار عنها فانساقت وراء الرغبات. كذلك سباب المجتمع ساخرًا منه حينًا متأففًا كثيرَا. باختصار كتابك بوست فيسبوكي عامي ساخر لطفل في الحادية عشر من العمر.

لا يمكنك فصل المشاعر عن محور كتابتك .. لا تسطيع كتمان يدك من البوح بأسرارك في منحنيات سطورك..

تناولت رضوى عاشور موضوع الكتابة -في سيرتها الذاتية- من الجانب الأدبي و التاريخي بحكم دراستها. الكتابة فعل أناني في رأيها. و ألوح لك بأنها لم تقل إنساني مجتمعي يهدف الزغزغة، و تلبية إعجاب الجماهير: كالمهرج أو صاحب القرد يطوف الشوارع؛ جنيًا للأموال و حرصًا على الإمتاع المستمر! إن الغايةة القائمة على إرضاء العامة لا يطول عمرها.

ما أقصده أن الكتابة إناء غائر يتسع لكل شيء، له عدة زوايا مطلية برونق العبارات، و مبطنة بمشاعر الكاتب. فهي كمهد رضيع! يدلله و يحاوطه و تبتل له عيون الكبار؛ طربًا بضحكات الصغير الأولى!

شُمل الحب في كلام الأدباء و الشعراء بداية من العصر الجاهلي و تأوهات قيس طلوعًا بالمدرسة الرومانتيكية وو أنين مطران، وصولًا إلى المدرسة الحديثة و الشعر الحر كفاروق جويدة و غيره من الشعراء الكبار. لا يمكنك فصل المشاعر عن محور كتابتك .. لا تسطيع كتمان يدك من البوح بأسرارك في منحنيات سطورك! فكثيرًا ما تحدثت رضوى عاشور عن حبيبها مريد في أعمالها بل و أدرجته في طيات أبطالها و أنطقتهم بكلماته فخلدت قصتهما في أوراق المكتبات الباقية.

من بدع ارتباط الكتابة بالسهوكة و غياب العقل و تنميل الأصابع؟
ليس من الضروري مداعبة عواطف القارئ و إثارته بمفرداتك المفعمة بالجمود و التناقضات كهاتين الكلمتين! من السذاجة خوض معركة تثبيت الأكتاف مع القُراء.

تعرض حروف قاموسك و أدواتك اللغوية بكبرياء ،يشعر قارئك بحقارة فكره و قلة حنكته. يعظمك في البداية و يحتقرك و يحنق عليك إلى ما لا نهاية. و أناا مع القارئ. أرسل إليك تحياتي.

الأدباء و شرارة العشق!

حتى اللحظة لا أجد ارتباطًا بين الشرود و هيئة الكاتب. فالسارح الهائم المحلق بعيدًا عما حوله أقرب ما يكون بالسفيه المجنون عن أي صفة أخرى. و استخدم تعبير د.أحمد خالد توفيق -الأديب الكبير-فأقول لك نحن لا نجلس في أعالي جبال الهيمالايا نتأمل الملكوت منعزفين عن المؤثرات الخارجية؛ لنأتي بعمل قيم يفيد القارئ!

يتغزل مريد في رضوى: أنت جميلة كوطن محرر … و أنا متعب كوطن محتل.
فسما بحبهما بسمو وطنيهما.

و تفاخر في مذكراته “ولدت هنا” : كانت تعرض عليّ أعمالها فأقول ستصيرين روائية كبيرة.

تتساءل رضوى: ماذا لو فشلت!

فأضحك! فتقول ستكون شاعرًا كبيرًا ..أقول: و إن فشلت؟ فتضحك!

تحدثت رضوى عن لقائهما الأول و تعترف أنها اعتزلت الشعر من بعد مريد! على حد تعبيرها : “وجدته شاعرًا بجد! و اتجهت إلى النثر” ..
مكان النظرة الأولى : سلم الجامعة. الفتى الوسيم يلقي شعرًا وسط حلقة من الجماهير الجامعيةة الشعثة.

يرى مريد أن علاقته برضوى خلت من الكلمات الرنانة و العواطف! لما أنهى دراسته و سافر كان يراسلها كغيرها من الأصدقاء لم تكن علاقتهما حميمية .. بل ملأها الترقب و الأمل و الخوف و النجاح و الصمود و اللقاء. يذكر جيدًا يوم الولادة! يرى رضوته تتألم تلك العنيدة الكتومة التي تدعي القوة يغالبها الوجع فتصرخ .. ضوء العمليات أحمر إذن المولود ولد! ما رأيك بتميم؟ ثم فراق ، ثم اللقاء الترانزيتي في شتى البلاد!

في السبعينات نشر مريد البرغوثي قصيدة “رضوى ” في مجلة .و علق أن: “الناس تظن أن الكلام العسلي اللطيف “المعسول” يساوي شاعر حب، الكلام الحلو لوحدوا ما يعملش ما نسميه الشعر”.

يغزو الشيبُ المفرقا و لا يشيب القلب عاشقًا ..
عاب الناس على الأبنودي حبه لنهال. فكيف يدق قلب شاعر -في الخمسين من العمر -لفتاة في مقتبل شبابها! بل تصغره عشرين عامًا.


واجهت الإعلامية نهال كمال زوجة عبدالرحمن الأبنودي -الخال- و أم بنتيه آية و نور الكثير من الانتقادات في بداية علاقتهما. فارق العمر لا يشكل خطرًا بقدر ما يثير النقاد التركة و الشهرة التي ستنالها الشابة! كان يلقبها ب”فاطمة احمد عبد الغفار ” و هي بطلة ديوانه الشهير رسائل الغزل الصعيدي “جوابات حراجي القط” التي وجهتها لزوجها العامل في أسوان. لم ترتد نهال الأبيض يوم زفافها قناعة منها و رغبة منه.. و كذلك امتنعت عن الأسود بعده إذعانًا لأمره!

قال الخال عن حبه لـ«نهال» : «أنا ياما قلت خلاص فات الوقت، أتاري عمري يا ناس بيبتدي دلوقتي، وكأني أول مرة بتبسم، وكأن عمر القلب ما أتألم، بتعلم الدنيا من الأول وأغني من قلبي وأتكلم».

عبقري ذاك العاشق المحموم الذي يربط الحب بالتاريخ بالفلسلفة بالوطن و الاحتلال. و يمزج آلام التعلق و رغبة الوصال بالفقر و الضعف و الجوع. و يتوجه بالاشتياق رغم قوته و بطشه، كالشريد المعذب إلى الكنف الدافئ .. يناغم بين ذلك و كل إيماءة تصدر من محبوبته، و دقة قلبه لضحتكها، و رقة طيف مروءتهه ليذوب في رؤية عينيها!

و هذا بالفعل ما تجده في هذه الأبيات لنزار قباني من ديوانه قصائد متوحشة:

حبك رسام مجنون.. لا يرسم إلا .. بالأحمر، ويخربش فوق جدار الشمس ولا يرتاح ، ولا يضجر و يصور عنترة العبسي و يصور عرش الإسكندر ما كل قياصرة الدنيا؟ ما دمت معي ..
فأنا القيصر

بيت القصيد: الحب ليس كلمات، لا وعود ،لا أنغام ولا ورود حمراء و قصائد هابطة.. التاكيكارديا -أي تسارع دقات القلب -وعدم القدرة على التنفس مرض يدعى “أريزيميا ” و هو لا يعبر عن الحب! الزواج ترجمته منافية لمفهوم شقة تمليك: غرفة وصالة تضم العيال و أباهم مناصرين للشعار المتوارث: ظل الرجل خير من ظل الحائط! وإنما مشاركة للأمل و احتواء للرعب .. إيجاد الجميل في اللاجميل.

كذلك الكتابة، كفاكم عبثًا باسم الحب و ابتذال اللغة باسم الأدب والثقافة.