الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد سعيد العوضي يكتب: شمسٌ تعشق الورد

صدى البلد

إن نضج العقول هو النبتة الوحيدة التى تحتاج دائما للرعاية إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ... رعايةٌ أبديةٌ لا تتوقف و لا تنقطع , و السبل إلى تلك الرعاية أيضًا كذلك ... و لا شك فى أن لكل مرحلة مستوى فكرى خاص بها يتفاعل معها و يعبر عنها , و لكن العجيب هو أن العقل فى كل مرحلةٍ منها يكون على يقينٍ تامٍ بأن رؤيته التى يشكّلها عن الأشياء فإنها تمام الدراية و الإحاطة بالشئ .. حتى إذا ما بلغ مرحلةً أعمق و أرقى من سابقتها فيدرك أنه ما كان يعلم إلا قليلًا جدا عن هذا الشئ , بل ربما يدرك أنه لم يكن يعلم قط ...

فى مقتبل العمر , حينما كانت أيامى تنعم بنقاء الأطفال و صفاء أذهانهم , لم يكن لعقلى إنشغالٌ بالحياة و مصاعبها التى تدهس الناس من بكور النهار حتى حلول الليل , و لكن كانت لمداركى اهتماماتها الخاصة , كنت أجلس كثيرا و أفكر فى أمور تجول فى أركان عقلى مرارا و تكرارا .. وقتها لم أكن أعلم حقيقةً أهى أمور معقدة كانت تستحق أن تنال هذا التفكير منى أم لا ، لكن ما أذكره وقتها أنها كانت معضلات حقيقية و طلاسم مستعصية بالنسبة إليّ ... كان عقلى الضحلة معلوماته يجيب على بعض تلك الأمور و لكن أدركت فيما بعد أن تلك الإجابات ما هى إلا لونٌ مما نسميه " الفهلوة المصرية " , و البعض الآخر كنت أنتظر إجابته عندما أكبر مثل والدى الذى كلما سألته عن أحدها و ما أكاد أفرغ من إتمام سؤالى فتصدر من شفتاه تلك الإبتسامة الصامتة التى تنم عن خبرة الكبار و درايتهم بأشياء لم يشأ الله لنا أن نعلمها بعد ...

من بين هذه الأمور كان هناك ذاك الإلحاح الذى يقرع كل أبواب خيالى حينما كنت أجلس كل يوم فى المساء ناظرًا إلى ذاك الوميض الساطع الذى يعمر أرجاء الكون قادمًا من القمر , كنت أتعجب كثيرًا ! هل هناك كهرباء تجعله يضئ هكذا ؟ هل أستطيع أن أصل إليه و ألمسه يوما ما ؟ أم أنه فقط ضيف كريم يأتى إلينا بفيض من عطاياه المضيئة ينثرها على هؤلاء البشر ! و إن كان كريمًا هكذا ! فلماذا يغادر ولا يستمر دائمًا ؟! ..

لم يكن لى نصيب من العلم لأعرف إجابات لتلك الأسئلة السابقة , حتى أن شاء الله لعقلى الصغير أن يتسع شيئا فشيئا وعلمت فيما بعد أن كل هذا الضياء الساطع و الجمال الخلاب الذى يملأ الأرض ليلًا ليس بفعل القمر , و إنما _ بأمر من الله _ ما هو إلا هبة تمنحها الشمس المعطاءة لذاك القمر المعتم و بدوره يمنحه إلينا بينما هى تقوم بأداء قانون العدل الإلهى فى إضاءة النصف الآخر من الكرة الأرضية بعدما فرغت من أداء مهمتها فى نصفنا ..

و حرىٌ بكل من يقرأ مقالى هذا أن يعلم بأن اكتراثى بشأن هذه القضية الآن ليس لأنى أصبحت عالما فى أمور الفضاء أو أعد الأبحاث فى هذا الصدد , و لكن حين النظر فى هذه الظاهرة الكونية العظيمة بنظرة فلسفية عميقة قليلا , أردت بها فقط أن أوثق رسالة إلى زوجتى المستقبلية و أم أبنائى _ إن شاء الله _ ..

عاشقة الورد ! إنك تلك الشمس التى أعنيها , أدرك تمامًا أن أعباءك لن تكون بالقليلة ! و لكن ما أريدك أن تعلميه , أن كل ما أبذله من جهد فى هذه الحياة سيظل معتمًا حتى تغمرينى بدعمك الساطع الذى يجعل تلك الجهود تضئ ..

إننى لا أعلم متى يأذن الله لنا و نلتقى أشاطرك الحديث يومًا فى مكان هادئ بعيد عن ضوضاء هذا العالم , ولكن كل ما أعلمه أن الإبتعاد عن رؤياكِ ليس بأمرٍ يسيرٍ , ربما لو كان للعيون فلوجستين خاص بها ستقسم عيناى أنه النظر إليك ، قلبى الغارق لا ينجو من بحور حنينه إليك إلا بك , حنين لا ينجلى ولا يزول ... هل أصبح قلبى أسير حبك ؟ مريض ؟ ربما , لكنه مرضٌ لو تذوقه غيرى لدعى الله مثلى الآن بألا يتم شفاؤه منه أبدا ...

إن وجودك بالنسبة إلىّ لا يكمن فى محض كونك امرأة تقضى سنوات من عمرها فى دوامة من الروتين المدقع كعادة النساء فى مجتمعاتنا الشرقية , بل أريدك تلك الفتاة التى تسير معى إلى حيث ينتهى بنا مطاف أحلامنا , إلى مصير لا نعلم هل سيتحقق أم لا , لكن يكفينى فقط أن نسير معًا , أريدك فتاةً تضئ دربى كلما أظلم , شمسًا ساطعةً تنير عتمتى ,، يا عاشقة الورد ...