قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

أوراق الخريف

0|عبد المنعم سعيد

كانت العربة تتهادى على الطريق الأخير نحو الجامعة‏،‏ ولم يكن التمهل مقصودا‏،‏ ولكن هكذا شاءت إرادة المنظم الذي ربما أراد لمن يعبر أن يتمتع بالمشهد الأخاذ‏.‏
كانت الأشجار باسقة على الجانبين، وتقترب من بعضها عند القمة تاركة شارعا من السماء الزرقاء الصافية، بينما الأوراق آخذة في تغيير ألوانها. أصبحت مع السنين خبيرا في الطريق، وتغير أحوال الشجر في فصل الخريف حيث تنتقل الأوراق بين لون وآخر حسب زاوية الضوء، ودرجة الحرارة، ودورة الزمن. الكل في النهاية يتغير يوما بعد آخر، ويصير الأخضر درجات في الاصفرار، ومن بعدها يصبح ذلك في طريقه إلى البرتقالي الذي يصبح داكنا حتى يختلط مع الأحمر الذي يحضر نحو البني الذي هو آخر الألوان قبل السقوط بفعل الرياح أو المطر.
الطريق ثلاثة كيلومترات تزيد أو تقصر، لا نعرف مثلها في مصر حيث لا تتغير الألوان; وفي المنتصف أو بعد ذلك بقليل جاءتني مكالمة القاهرة وفيها خبر نهاية العمل في الصحيفة، لم أعرف كاتبا حقيقيا توقف عن الكتابة سواء كان قبل أن يبلغ السن القانونية أو بعدها، ولا أدري لماذا لم أشعر بأي قدر من المفاجأة، وكأنني كنت أنتظر أمرا ما قبل رحيلي من الولايات المتحدة والعودة إلي مصر.
عرفت أن ذلك يتيح فرصا للشباب فتمنيت لهم كل خير، والحقيقة أنني لم أكن أعرف أنني تجاوزت الحد حسب ما هو سائد في جدول الزمن، وفي الظن أن في الكتابة والجمهور والتعليقات شبابا دائما.
ولكنها الحياة مثل أوراق الشجر في الخريف تتغير ألوانها مع دوران الساعات والأيام، ولا تعرف أبدا كم بقى من الزمن حتى تأتي العواصف غاضبة. حاولت الخروج من الحالة حتى أستمتع بجمال الأشجار قبل انقضاء الطريق، أو حتى أعيد ترتيب الذهن حول محاضرة اليوم وما سوف أقول للتلاميذ عن ألوان الربيع العربي.
وعندما وصلت مكتبي فتحت صندوق بريدي الإلكتروني، فكانت هناك حزمة لا بأس ظهر من بينها اثنان: واحدة تحمل دعوة للتدريس في جامعة يوتاه بمدينة سولت ليك على جبال الروكي في الربيع المقبل، والثانية جاءت من صديق مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية صبحي عسيلة يخبرني فيه أن الأهرام تطلب جميع أعمدة الأسبوع المقبل في يوم الأربعاء لأن إجازة عيد الأضحى سوف تحل طويلة والإخوة يريدون ترتيب الأعمدة قبل الرحيل. لم أعرف كيف توقف عجلات الزمن ومعها الأحداث; وتذكرت أن موعدي هو في التاسع من نوفمبر، وبقى لي الكثير من الأعمدة لأكتبها.
نقلا عن "الأهرام"