الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب: وَلَهٌ وكُرْهٌ

صدى البلد

لدي رغبة صادقة في أن أبذل لها كل العون، وإن كان لا يتعدى منحها أُذُنا صاغية، حتى تتوقف عن زيارتها كل ليلة تلك الكوابيس الثقيلة التي لا تغادرها أبدا، فتأتيها نهارا في هيئة أحلام يقظة مرهقة، فقد امتزج داخلها الوله الجارف والكره العنيف، وعندما يجتمع النقيضان يكون هناك دائما صراع يقود نحو الجنون، ولكنه ليس جنونا بل عذابا رهيبا مستعرا في روحها كالنار المخبوءة تحت الرماد، فقد كنت أشعر وهي تحدثني أن أنفاسها المتدفقة عبر نبضات "الواي فاي" تتصاعد من مرجل يغلي حتى تكاد تلفح وجهي وأنا جالس في الظلام، فقد أطفأت المصباح حتى شاشة اللاب توب لتجتمع حواسي كلها في أُذُني، فليس من الإنسانية ألا تجد من يصغي إليها، وقد أوشك لسانها أن يضمر، رغم أن لها مئات الأصدقاء على مواقع التواصل، كانت تتحدث إليهم بأصابعها التي لا تتوقف عن الحركة على لوحة المفاتيح.
حتى أشعر أنها سعيدة من قدرتها أن تجري أخيرا حديثا مع أحد، وإن كان في عالم افتراضي، فصوتها الواهن المتقطع عبر "الشات" ينبئني أن الكلمات تؤلمها كوخز الإبر الذي يجعلها ترتعش، وأن دموعا تنساب رقراقة ساخنة على وجنتيها فتلسعهما، فطلبت منها أن تضع يدها على "الماوس"، ووضعت أنا أيضا يدي على "الماوس" الخاص بي، فأحسست أن يدها بيدي، وبدأ صوتها ينتعش وما انقطع منه يتصل، فيأتيني نقيًا وكأنها تستخدمه للمرة الأولى، وشعرت أن ابتسامة رضا حزينة ترتسم على شفتيها معلنة استسلامها للقدر، ثم قالت:
لم يكن بوسعي فعل شئ سوى الجلوس والتحديق في اللاشئ كأنني جثة محنطة، وهو يخبرني أن كل ما بيننا انتهى.. ولكنها لم تكمل، وصرخت فجأة باكية بحدة حتى أني شعرت بألم في أذني فأُغُلقتْ عيناي بشكل آلي، وانتابتني رعشة خاطفة، وأنصت فإذا بها لا تستطيع التنفس، وكأنها تتذكر أنها لم تفعل ذلك حين لوحت يداه بالوداع مطفئة الشمس، لما سكت عنها الغضب حاولت أن تتنفس باستعادة كبريائها ثم ضحكت قائلة سيعود.

فلم أرد إخبارها أنها تعذب نفسها وتراهنها على انتصار مآله المحتوم الهزيمة، فعواطفها التي جففتها الأحزان ، وقلبها الذي جعله الفراق أرضا ميتة ينتظران أن تمطرهما عيناه بدموع التوبة إليها - التي لن تسقط - لتهتز وتربو بالغفران.