الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مكاسب وخسائر ومغامرة دخول قوات عربية إلى سوريا


اشتعلت الجبهة السورية خلال الساعات الأخيرة بقصة أكبر من الضربات الصاروخية المشتركة التي أطلقتها كل من واشنطن ولندن وباريس على أهداف عسكرية ومطارات بدمشق.

وهذه المرة لم تكن القصة تتعلق بالجدلية العسكرية التي اختلقتها روسيا خلال الأيام الماضية. وعما اذا كانت موسكو قد استطاعت بالفعل ومن خلال منظومة الدفاع الجوي الروسية الرابضة لها في سوريا التصدي للصواريخ الذكية الأمريكية أم لا.

حتى أن الرئيس الأمريكي ترامب أمام إصرار روسيا خرج ليقول بشكل مباشر وواضح، إن كل الصواريخ الأمريكية على دمشق وصلت إلى أهدافها ولم تستطع موسكو ولا دفاعات الأسد إسقاط أي صاروخ منها او التصدي له.

هذه المرة على أرض سوريا لم تكن القضية ضربة أمريكا وحلفاءها وتداعياتها في المستقبل، ولا مدى تصدي موسكو ودفاعات الأسد لها. ولكنها كانت قضية ساخنة طرحت فجأة في أروقة الإدارة الأمريكية وتتعلق بالرغبة في إحلال قوات عسكرية عربية محل القوات الأمريكية الموجودة في شمال شرق سوريا.

بمعنى استبدال القوات الأمريكية بأخرى عربية من عدة دول قيل أنها من السعودية والإمارات وقطر ومفاوضات مع دول أخرى.

وأشعل القضية وأكد صدقية ما يدور خروج وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال مؤتمر صحفي مع الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، ليؤكد استعداد المملكة لإرسال قوات إلى سوريا تحت مظلة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، إذا اتخذ قرار بتوسيعه. موضحًا أن الرياض اقترحت تلك الفكرة من قبل لإدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. ومضيفًا "مازلنا نناقش مع الولايات المتحدة منذ بداية هذا العام هذا الاقتراح، وكنا قد قدمناه من قبل لإدارة الرئيس أوباما".

كما ان المناقشات "لا تزال جارية فيما يتعلق بنوعية القوات التي يجب أن توجد في شرق سوريا، ومن أين ستأتي".

وهو ما يؤكد صحة القصة وأنها برمتها أصبحت متداولة على أعلى مستوى بين واشنطن والعديد من الدول العربية.

والحقيقة أن إرسال قوات عربية من دول عدة لتحل محل قوات أمريكية تريد الانسحاب بعد دحر تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا ينطوي على مكاسب وخسائر ومغامرة غير مأمونة العواقب:

وأما بخصوص المكاسب السياسية والاستراتيجية المرتقبة من وراء هذا القرار. فإنه في حال تنفيذه سيضع موطأ قدم لقوات عربية متعددة الجنسيات داخل سوريا بعد 7 سنوات كاملة من مأساة بشعة تدور على أرضها ودون أن يكون للدول العربية حضور سياسي أو عسكري على أرضها بعد قرار قطر وعمر موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية بتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية وما ترتب على هذا القرار الكارثة من خروج عربي رسمي كامل من سوريا.

فبتفعيل هذا القرار سيدخل العرب لأول مرة وإن كانوا محمولين على الأكتاف الأمريكية الى سوريا وينتشرون في العديد من المناطق التي تسيطر عليها القوات الأمريكية وهى أماكن كبيرة ومممتدة في شمال شرق سوريا.

كما ان هذه المباردة تنطوي على مكسب أخر في أنها ستملأ الفراغ الذي تتركه القوات الأمريكية في سوريا وحتى لا تسارع إيران الموجودة فعلًا على الأرض بقوات وميليشيات تصل إلى نحو 100 ألف عنصر ويزيد من الغسراع للسيطرة على هذه الأراضي.

أما المغامرة التي تنطوي عليها دخول قوات عربية إلى سوريا تحت المظلة الأمريكية، فهى التحسب من أن تدفع هذه القوات إلى مواجهة إقليمية كبرى بمعنى أن يحول بشار الأسد وحلفائه روسيا وإيران حربهم من مواجهة المعارضة السورية والتنظيمات المتطرفة إلى مواجهة القوات العربية، ويصورون للعالم أنها قوات غازية وعلي السوريين التصدي لها. وساعتها ستكون هذه القوات العربية، قد وضعت نفسها ببساطة بين أنياب روسيا وإيران وشبيحة نظام الاسد وجنوده في أرض عسكرية تمترسوا عليها وعرفوا دروبها وكهوفها طيلة 7 سنوات.

الخوف أن تكون سوريا "فخ محكم أو أفغانستان جديدة" للقوات العربية التي ستذهب اليها.

كما أن إيران بالتحديد قد تجد في وصول قوات عربية رسمية إلى سوريا هدفها في تحقيق نصر ما يشفي غليلها، بتحويل هذه القوات العربية إلى هدف لميليشياتها والعمل على استنزافها ودحرها وخصوصًا اذا علمت أنه سيكون منها قوات سعودية وإماراتية .

وعلى الأرض وبعد خروج أمريكا لن يستطيع أحد أن يتدخل وستكون مواجهة مباشرة بين الأطراف الموجودة.

كما ان هناك خسارة فادحة تبدو متوقعة فاستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا اصبح أمرا معتادًا لدرجة أن واشنطن قالت علنًا في مجلس الامن إن النظام السوري استخدم هذه الأسلحة نحو 200 مرة ومعنى هذا أنه يمكن للأسد او لحلفائه أو لميليشيات تتبع إيران أن تستخدم هذه الأسلحة ضد القوات العربية .

فسوريا أصبحت مكان عسكري قذر. والحرب هناك دخلت في متاهات وحشية وعرة. كما ان هناك سؤالا استراتيجيا مهما وهى كيفية دخول وخروج هذه القوات العربية إلى سوريا وهل يتم عن طريق الاردن ام عن طريق تركيا وهما الدولتان التي لهما حدودا مباشرة مع سوريا ثم هل تسمح تركيا بدخول قوات عربية محل قوات أمريكية تساند قوات كردية تحاربها هى نفسها بكل وحشية في جنوب تركيا؟

وأمام هذه المغامرة وقبل الاتفاق مع واشنطن على القوات التي ستصل سوريا ومهمتها بالضبط وعددها وجنسياتها وممر الدخول والخروج ومدة بقائها، سيكون الأمر مكلفًا جدًا وسيكون قرار دفع هذه القوات العربية الى محرقة سوريا خسارة باهظة بمعنى الكلمة وسقوط في مستنقع يصعب الخروج منه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط