الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سياسات التطوير


طالعت بكل الاهتمام النسخة شبه النهائية لتقرير حالة التنمية حول العالم للعام ٢٠١٩، وهو بعنوان "مستقبل الوظائف وفرص التشغيل"، ويتناول ملخصه المتصدر لصفحاته عدة قضايا ينتظر ان تؤثر وتتأثر بسياسات إعداد الشباب وتزويدهم بالمهارات المطلوبة او التي سوف تكون مطلوبه في المستقبل القريب والمتوسط، والمهارات التي ستندثر بسبب اختفاء الوظائف والمهن التي كانت تطلبها، ويتناول التقرير أسباب كل ذلك، ويحدد الخطوات اللازم اتخاذها للتعامل معها لكي يجد كل شاب نوع التعليم ونوع الاعداد الذي يمكنه من إيجاد فرصة عمل لائقة في سوق عمل متغير ومتقلب بشدة بحكم تدخل التكنولوجيا ايجابا وسلبا في كل أنشطة الاقتصاد حول العالم.

يقسم التقرير العالم الي أربع مجموعات رئيسية من حيث تأثير التكنولوجيا الرقمية علي مقدرات الدول ومدي تأثر الاقتصاد ومستقبل فرص توظيف القوي العاملة بتلك التكنولوجيا التي تجتاح العالم منذ ثلاثة عقود، المجموعات الأربع هي الشريحة العليا من الدول مرتفعة الدخل، ثم الشريحة الدنيا من الدول مرتفعة الدخل (الدول المتقدمة)، ثم شريحتين مماثلتين للدول منخفضة الدخل (الدول النامية).

يقدم التقرير عدة حقائق مفادها ان نسبة الوظائف وفرص العمل المتاحة للشباب حول العالم في الاقتصاد القائم علي التصنيع، وهي الأكثر تأثرا باحلال الآله مكان البشر، لا تتعدي نسبة ٣٥٪؜ في الدول المتقدمة، ولا تزيد عن ١٠٪؜ في الدول الاقل دخلا حسب الناتج القومي، وذلك وفق معدلات نمو تم رصدها خلال العقدين الماضيين، وباقي الفرص سوف تكون في قطاعات الخدمات والتي يقل تأثير التكنولوجيا الرقمية علي احلال الآله محل العمالة بها.

بتحليل تلك الأرقام ، نجد أنفسنا مضطرين لتغيير السياسات بشكل جذري لكي نوجد فرص عمل لشباب يتزايد عددهم يوما بعد يوم، وعلينا ان نعمل فِي ذات الوقت للتواءم مع تزايد دور التكنولوجيا الرقمية وإحلال الآله محل البشر في الوظائف النمطية التي يمكن الاستغناء فيها عن الانسان بسبب ضخامة حجم الانتاج المطلوب لتلبية القوي الشرائية المتنامية بشكل مخيف حول العالم.

في مجال التعليم والتعليم الفني والمهني منه تحديدا وهو مجال تخصص محدثكم، وإسقاطا لمخرجات التقرير علي الحالة المصرية، اجد لزاما علي واضعي السياسات وكنت منهم ان تستمر الجهود المبذولة في اتجاهين محددين؛ الاتجاه الاول يرتبط بنِسَب الالتحاق بالنوعيات المختلفة للتعليم الفني والمهني، فقد أوضح التقرير كما اسلفت ان حجم فرص العمل في قطاع التصنيع في مكونات الاقتصاد في الدول النامية منخفضة الدخل القومي ومن ضمنها مصر منسوبا لباقي فرص العمل في باقي قطاعات الاقتصاد لا تزيد باي حال من الأحوال عن ١٠٪؜، وبالتالي يصبح من غير المقبول ان تستمر نسب القبول في قطاع التعليم الصناعي علي ما هي عليه منذ عدة سنوات والي الان حيث تبلغ ٤٨٪؜ من اجمالي نسب القبول في كل انواع التعليم الفني والتي تضم الي جانب الصناعي كلا من التجاري والزراعي والفندقي، وهو ما تعمل عليه وزارة التربية والتعليم منذ سنوات لتغييره لكن بدون قناعة حقيقية من أولياء الأمور او الطلاب، ولذلك من المهم ان تستمر الجهود لعرض تلك الحقائق عليهم الي ان نصل لنقاط اتفاق أهمها ان مستقبل العمالة المطلوبة في مصر خلال السنوات العشر القادمة علي الاقل لن يزيد في مجال التصنيع عن نسبة ١٥ الي ٢٠٪؜ علي أقصي تقدير، و ٨٠٪؜ الباقية ستتركز علي فرص العمل في قطاعات الخدمات

وبناء عليه يصبح لزاما تعديل نسب الالتحاق في نوعيات التعليم الفني والمهني خفضا هنا ورفعا هناك لكي يجد كل شاب فرصة عمل مناسبة ولائقة بعيدا عن مزاحمة الآله لهم، واضيف هنا ان التقرير يقول ان التخوف العالمي من احلال الآله محل الانسان هو في الحقيقة تخوف ليس له محل من الاعراب في الدول ذات الدخل المنخفض لأسباب تتعلق بإنخفاض نسب العمالة في قطاع التصنيع نسبة للقطاعات الخدمية، وتتعلق ايضا بتخلف التكنولوجيا المستخدمة والذي سيستمر معنا تصنيعيا لعقد قادم علي الاقل، وبالتالي ستستمر التخصصات الصناعية التقليدية معنا لوقت ليس بقليل ولإعداد ضخمة من الطلاب، لكن ذلك لا يعني ابدا الا نحدث التخصصات والمهن وفق التوجهات العالمية، وهو ما يحدث بالفعل منذ سنوات في التعليم الفني والي اليوم حيث ادخلت تخصصات اللوجستيات والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية السلمية وغيرها، وتضاعف عدد طلاب التعليم المزدوج والمدارس داخل مصانع خلال السنوات الخمس الماضية.

أما الاتجاه الثاني فيرتبط بالتوجه العالمي لتنمية المهارات الإدراكية والسلوكية والوجدانية Cognitive Skills لدي الشباب ومنذ نعومة أظافرهم لانها المهارات التي لا يمكن ان تضطلع بها الآله ولا التكنولوجيا الرقمية، ولن يكون سهلا ان تحل الآله محل الانسان فيها، وهي تتضمن فرص العمل في مجالات الخدمات والانشطة الاقتصادية المتعلقة بها، وأهمها قطاعات الاقتصاد غير الرسمي، وقطاعات الانتاج غير النمطي، وفرص التوظيف الذاتي وريادة الاعمال.

وقد اتخذت وزارة التربية والتعليم منذ سنوات عدة مبادرات مهمة بالتعاون مع الجهات الدولية الداعمة لتقديم برامج وحزم تدريبية لطلاب وخريجي التعليم الفني في مجالات الإرشاد والتوجيه الوظيفي Career Guidance، وبرامج التدريب علي ريادة الاعمال والمشروعات الصغيرة، من خلال وحدات تيسير الانتقال لسوق العمل المنشأة الان في نصف مدارس التعليم الفني تقريبا، وهي برامج متعددة تقدم بالتعاون مع شركاء التنمية الدوليين والمحليين وفق اجندة وزارة التربية والتعليم لتطوير قطاع التعليم الفني وفق المعايير العالمية التي تتحدث عنها تقارير التنمية الدولية ومنها مسودة التقرير الاخير.

ووفقا لخطط وزارة التربية والتعليم فمن المقرر تعميم تدريب كل طلاب التعليم الفني علي برامج الإرشاد والتوجيه الوظيفي وبرامج ريادة الاعمال لإكسابهم المهارات الإدراكية التي لا غني عنها حسب التقرير المشار اليه Cognitive Skills مع بداية العام الدراسي القادم علي مدارس نظام ٥ سنوات اولا ، ثم العام التالي علي مدارس نظام ٣ سنوات، وذلك وفق خطة التنمية المستدامة رؤية مصر ٢٠٣٠ والتي لا يجب ان يتأثر تنفيذها بتغيير الأشخاص الذين يقودون الوزارات.

إن تطوير التعليم بالذات والتعليم الفني منه علي وجه الخصوص ، يستغرق وقتا أطول كثيرا مما نظن، ويتطلب تثبيت السياسات لمدة لا تقل عن عشر سنوات بغض النظر عن تغير الأشخاص، وقد وفرت ويجب ان توفر لنا رؤية التنمية المستدامة (رؤية مصر ٢٠٣٠) ذلك المناخ المرجعي المستقر للسياسات، ولو لم تكن موجودة لوجب علينا اختراعها، لكن لحسن التخطيط وبسبب حسن القيادة، فقد فطنت القيادة السياسية لاهمية ذلك وأعلنت تلك الرؤية الحصيفة منذ عامين ونيف، لا يعني ذلك ان رؤية مصر ٢٠٣٠ تصبح وثيقة مقدسة، بل علي العكس هي تمثل المرجعية القابلة للتعديل والتطوير كل الوقت، وللماليزيين في ذلك قولا مشهورا ان الخطط الاستراتيجية لا يتم تنفيذ سوي ٣٠٪؜ منها كما وضعت ابتداء، ويتم تعديل نسبة ٣٠٪؜ اخري اثناء التنفيذ، بينما تضاف ٤٠٪؜ الباقية كبنود جديدة في التنفيذ لم تكن موجودة في النسخة الاصلية، كل الأمنيات الطيبة لهذا البلد العزيز الطيب ان يصل الي علا المجد والتقدم في وقت ليس ببعيد ان شاء الله.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط