الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مارتينا مدحت تكتب: "في الواحد والعشرين من عمري"

الكاتبة مارتينا مدحت
الكاتبة مارتينا مدحت

أنا الآن فى الواحد والعشرين من عمري

فى السادسة عشر.. اعتدتُ أن أهزأ بجميع من تسممت أفكارهم بتجارب خاصة لم أمُر بها يومًا قط، وما آمنت بما يترتب عليها من جمود فى الروح.

فى السابعة عشر.. لم يُمّكِنُنى طبعي المتحفظ من البوح، لكنني نجحت في دس رسائل استغاثة في كلماتي وإيمائاتى وعينى ورعشة يدى حين هجرني الفتى الذى قال أنه لن يرحل مهما حدث، وبالرغم من عدم حدوث شئ ليرحل، فهمت حينها أن السقوط لا يمكن أن يكون مرادفًا لفقدان الإتزان.

فى الثامنة عشر.. التزمت بصداقات كنت أرغب الهروب منها، وأفّلتُ من يدي كل ما لم أرغب أن أُمسِك به، أعدت إكتشاف نفسى والناس والأشياء، كَّوَنت قناعات جديدة وأزلت كل ما لم يتعد كّونُه "أطلال".

فى التاسعة عشر.. شتمت أناسا في وجوههم لمناوراتهم في النقاشات الفكرية وهم من الأساس لا يستطيعوا الجزم بصحتها، وشتمت آخرين لأنانيتهم وهم يعلمون أن العوالم لا تُشَيد بالوحدة والفرحة إن لم تقتسمها لن تسعد بها، والأحداث إن لم تشاركها ستنتهى عندك كما بدأت منك، وأن القلب الذى لا يحب و لا ينعم بأٌنس الآخرين ليس سوى قلب فقير، وأن النجاحات المادية مؤقتة ولا تساوى لحظة دفء واحدة مع من أحبك بكل ما يملك من محبة، الأنانية تترك الشخص هشًا مجوفًا فقير القلب والروح، نجحت فى فهم إستغاثات الكثير من الأصدقاء والغرباء وفشلت فى مساعدة الكثير منهم، وعَلِمت أننى لست منقذة العالم ولست طوق النجاة لجميع البشرية، وإن أردت ذلك، وشعرت بالأسى رغم علمى المسبق بكوارث لا مفر من حتمية حدوثها، ورأيت أنه يجب على المرء أن يشعر بالعار حين يضحك فى اللحظة التى يصرخ فيها الآخرين.

فى العشرين.. خرجت مندفعة نحو الحياة، أضعت إيمانى ثم وجدته، وووجدت معه من ظننته صديق عمرى، حتى أضاعنى هو،
لفت إنتباهى أنهم غفلوا أن يعلمونا التحكم فيمَ يدخل القلب، وإكتشفت أن التحكم فيما يدخله وهم، لكننى إستطعت أن أملأ قلبى بكل طيب، أصلحت ما به من ثقوب، فالقلب يشبه –إن جاز التعبير– المركب، إن كان المركب مثقوبا لا يطفو كثيرًا، يحدث وإن إستمر فى الطفو أن يأتى عند نقطة ويكون أقرب للغرق فيها من النجاة.

أنا الآن فى الواحد والعشرون من عمري.. وأظن أن الحياة تتوقف كثيرًا مع كل ثقب جديد يُضاف للقلب وكل خيبة تترسب بالروح وكل عالم جميل تم هدمه لأنانية أحد أطرافه، ولكل فقد أحدَثَ غصة بالحلق حالت دون جسدك والتنفس وأسارت الرعشة بأطرافك ولو لبضع ثوان.

مر الزمن ثقيلًا جدا، لم يكن كومضة النور مثلما قالوا، تجرعته كاملا بكل تفاصيله وببصيرة حادة، علام الندم؟ كل الرصاصات التى ستصيب من الآن ستمر بثقب قديم بالقلب، ربما لم يعد للزمان ما يتبقى ليأخذه مننا!