الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طلاق أبويّ..


منذ الصغر وأنا غريبة وتقتلنى مشاعر الوحدة وتخنقنى وتغتال منى كل يوم جزءا من كل شىء فىّ .. بهذه الكلمات بدأت مريضتى الفتاة البالغة من العمر مايقرب عشرين عاما حوارها وأكملته على عدة جلسات وقالت، ابنة وحيدة على ولدين كنت انا اصغرهم وكانت حياتنا تسير طيبة الى حد ما رغم مشاكل الاسر العادية، الى ان جاء يوم وكنت بلغت السبعة اعوام ووجدت خالى وأحد اعمامى وأبى وأمى مجتمعين ومعهم رجل يرتدى عمامة عرفت انه المأذون الذى جاء لينهى حياة اسرتنا ويكتب شهادة وفاة هذه الاسرة .

ولا أنسى يومها عندما احتضنتنى امى وحاولت جاهدة ان تشرح لى معنى الطلاق وبسطته بأنه له معنى جيد وهو انه سيكون لى بيتان ، وسيئ فى كونه لن يكون فيه ابواى معا كما اعتدت واعتدنا كلنا ، اما ابى فقد نظر لى نظرة لم أفهمها حتى الان وقال لى امك ست عظيمة وانا كمان عظيم وفراقنا مش معناه اى حاجة وحشة معناه الوحيد ان احنا مش قادرين نكمل مع بعض ..
 
ولم أستوعب الموقف ولا تبعاته الا بعد ان اصبح البيت بلا أب واصبحت حياتى موزعة بينهما وكذلك مشاعرى وان كنت لا أعرف حتى الان مع من هى ومن ظالم ومن مظلوم فعندما اذهب عند ابى كان يحرص كل الحرص على منعى من ان اذكر اى سيرة تتعلق بأمى ولا حتى اسمها.. كان سلوكه يفسر لى انه يكرهها ولا أدرى ما السبب الذى جعله يكره امى كل هذه الكراهية مع انهما كما كانا يحكيان لى ولاخوتي تزوجا عن حب هز اركان الدنيا حينها وبأن امى وقفت بجوار ابى الذى لم يكن يملك اى شىء سوى طموحه ورغبته بأن يصير اسما وعلما.

وأمى هى الاخرى عندما اكون بصحبتها كانت على خلاف طباع ابى فهى تسألنى عنه وعن صحته وعن احواله وعن كل شىء يتعلق به لدرجة جعلتنى أحتقرها وتنزل من نظرى لكونها تمتهن كرامتها بهذه الطريقة وترضى بأن تسأل عمن لا يسأل عنها ولا يذكرها ابدا ويعتبرها من الاموات ، اخواي كانا اكثر منى صلابة وتعايشا مع الوضعية الجديدة بلا ادنى تغييرات جوهرية ... مضت بنا حياتنا كل يتمتع بكون البيت بلا اب فالكل يصنع ما يحلو له وأمنا بالطبع لاتستطيع مواجهتنا ولا الوقوف امامنا وزادنا قوة ان ابانا حرم على امى الاتصال به او لقاءه او حتى السلام عليه فقد سن سنة بأن اى مطالب تتعلق بنا او بالبيت تقولها امى لنا ونبلغها نحن له وغير ذلك يتم تجاهله كلية حتى تمل امى وتعود من حيث بدأت.

فى هذا الجو عشت مغتربة مقطعة نصفين احدهما مع امى والاخر مع ابى وبينهما آلامى تمزقنى ولا اجد من احكى او اشكو له فصرت مبعثرة لا أنتمى لهذا ولا ذاك واصبحت نقطة فى دائرة مهلهلة اسمها الاسرة المنفصلة، حاولت جاهدة ان اجتهد فى دراستى ليس من اجل الدراسة ولكن من اجل مزيد من الاغتراب والابتعاد عن ابوىّ بل وعن بلدى كلها وعملت جاهدة على ذلك المطلب وتتطور احداث حياتى واصبح على قناعة بنزع جلدى عنى لاننى تشوهت به ومنه فقد اصبحت امى قيدا يخنقنى واصبح ابى زيفا يخدعنى ، حاولت الانتحار الا ان الله اعطانى فرصة جديدة للحياة ولم احيا كما يحيا من هم مثلى وواصلت زيفا اعيشه بين ابوى امثل عليهما اننى احبهما ولكن فى داخلى أبغضهما وأحملهما كل ما صرت اليه فبسببهما اصبحت اقف فى المنتصف دوما لااستطيع العودة ولا الاستمرار .

أخاف ان احب فيغدر بى واحاول ان أنفذ وصية امى وان اكون محبوبة فلا اجد طعما لمثل هذا النوع من الحب، اهرب من ان أرتبط عاطفيا بشاب فى مقتبل الحياة خوفا من ان يتركنى عندما يسطع نجمه واصبح فى نظره عديمة الجدوى مسنة ليست كمن يحاوطونه من كل جانب، وخاصة اننى من تجربة امى ايقنت ان الرجال عندما يزداد ثراءهم وسلطانهم ينسون اعمارهم ويعيشون مراهقين يتوددون للصغيرات اللاتى يجدن مطالبهن محققة وعليهن فقط ان يهمسن بكلمات الحب ويأخذن فى المقابل كل شىء ثروة ومنزلة وظيفية وكل ما يعطيه العجوز المتصابى لفتاة تزيف له واقعه وتوهمه انه محصلش ولن يوجد مثله، دوما انا فى قلق وخوف حتى سفرى واغترابى وغربتى خارج الوطن لم تتركنى فى حالى فأخبار امى وحياة ابى تلاحقنى وتعكر صفو حياتى اقصد من يسمونها حياة فأنا لا أعيش انا اتسلق على بقايا حياة ابوى بكل مافيها من مظاهر موت لى وألم ممدود منهما .

فشلت فى كل علاقاتى ولم تصبح حياتى ذات معنى مع انى نجحت وظيفيا ولكنى اجبرت نفسى على ان اعيش على شفا الحياة بلا زوج وبلا اسرة حتى لا أنجب ابناء يعيشون مأساتى وأكون لهم مثلما كانت امى لى مصدر شقاء دائم وخوفا من ان يكون ابوهم مثل ابى فاجرا فى نسيانه وهجره لأمى .. وبنهاية هذه الجلسات التى لم يكتب لها الاستمرار حتى الشفاء التام كنت اسجل فى اجندة مرضاى اسمها برمز التعيسة وأكتب تحت ملاحظاتى امضاء حبيب التعيسة المغلوب على أمره .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط