الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مارك كاسترو يكتب: حتى لا يفوتنا رمضان

صدى البلد

يحدث محمد رمضان جدلًا مدويًا مع كل جديدٍ يطرحه , بصورةٍ ربما لم يسبقه إليها ممثلٍ فى أى جيلٍ مضى, حتى أن التطرف الشديد فى تقييمه ما بين وضعه على القمة وخسفه حتى القاع ساعد بشكلٍ لافت وغير مباشر فى صناعة أسطورته.

...إلى رمضان , وأعدائه , والحاقدين عليه .. أقدم هذه السطور..

أعدتُ مشاهدة الأغنيتين اللتين قدمهما فى أقل من شهر , و ساءنى فى أول الأمر نبرة الغرور المنفّرة التى ظهر بها الرجل و كأنه تقاسم البطولة مع مارلون براندو و آل باتشينو فى ثلاثية "الأب الروحى" الخالدة ! لكن إذا تخليت عن موقفك تجاهه لقليل من الوقت سوف تكتشف أن الأمر مختلفٌ بعض الشىء: فبالتدقيق فى كلمات الأغنيتين سوف تكتشف أنه لا يتوجه بحديثه إلينا كجمهور و لا حتى إلى الحاقدين الجدد على ثروته , لكن أشخاصًا ووسطًا بعينه ذاهبةٌ إليه كلمات أغنيتيه ! 

نعم , إن المغالاة فى الكبرياء , او لنقل الرغبة فى الانتقام التى يغنى بهما رمضان , إنما تُظهر لنا قسوة الوسط الفنى الذى يملأ شاشاتنا ليل نهار !

ذلك الوسط الذى لفظه طويلًا و أذاقه مرارةً من أسوأ ما يمكن للشاب أن يذوق فى أول حياته , و هى أن يكون موهوبًا , و فقيرًا...

لذلك أرى فى نشوة النجاح التى تتملكه انتصارًا من أجل كل "الكومبارسات" الذين أمضوا حياتهم على عتبات المخرجين يستجدون فرصةً أمام الكاميرا , و أرى فى نبرته الانتقامية ثأرا فى سبيل كل الراسبين فى اختبارات الأداء لأنهم أتوا بلا واسطة , و تضميدًا لجرح كل من سمع تلك العبارة اللعينة : " سيب رقمك و هنبقى نتصل بيك "... نعم , أرى فى نجاحه الساحق حتى وإن اختلفنا على محتوى ما يقدم أملًا جديدا لكل من رفضهم المنتجون بحجة لون بشرتهم الأسمر ,أو لأنهم لا يملكون الوسامة الأباظية حتى تباركهم العدسة المقدسة فتمنحهم الميلاد السينمائى .. وفى كلمة: هذا الرجل قفز إلى عقر دارهم , و نافس فطاحلهم , و فتح من ورائه الباب مجددًا للموهوبين بلا واسطة , و للحالمين بلا سقف ..

عودة إلى أمر تضخم الذات , و الذى شخّصه غيبًا بعضُ محدثى الطب بأنه جنون العظمة .. لا ليس جنونا ولا عظمة بل امتداد تلقائى! لقد خرج رمضان بأغانيه ( نمبر 1) و (أنا الملك) من فصول أساتذة تعليم الثانوية العامة الذين ارتقوا مراتبَ وهمية , من أمثال إمبراطور الكيمياء , و رئيس اتحاد مُلاك الفلسفة , و زعيم عصابات الجغرافيا !!

وكما انحدر المجتمع لم يسلم الفن أيضًا , فماذا يختلف ما قدمه فى كليباته عن بعض القصص التى تُكتب فقط لإشباع غرور نجوم الصف الأول ؟ ما رأيك أن تتابع مسلسلا يحكى قصة امرأة يقع فى غرامها كل من يراها من فرط سحر مساحيقها التجميلية ؟! لتتراكم لدينا أعمالٌ على شاكلة " زُهرة و أزواجها اللي مش فاكر كانوا كام " .. وما الفرق بين بارانويا رمضان – إذا سلمنا بهذا التشخيص- و بارانويا بعض نجمات الشاشة فى دور " البطلة إلى مابتغلطش" , لتطل علينا كلٌ منهن على مدى حلقات العمل بمنطق أنا ابنة الحرة و جميعكم أبناء الجارية ! 

الكبرياء أو حب الزعامة ضارب بجذوره في هويتنا , فى كتابة التاريخ كما فى تأليف الأغانى, الفرق أنه أفلت من رمضان بشكلٍ غوغائى لأنه يمتلك المال لفعل ذلك !

ثم نأتى إلى المحتوى , و أعيد تكرار الجملة التى ما بقى لها طعم ولا رائحة من فرط التكرار, بأن الفنَ مرآةٌ للمجتمع , قسمًا بكل غالٍ فى هذه الحياة الفن مرآةٌ لنا .. الفن نحن.. الفن هو أخطاؤنا الأشد استتارا حين تفضحنا رغما عنا على الشاشة ! ففى مجتمعٍ يُنظّف فيه المسئول سطحَ مكتبه ليضع فوقه المصحف , ثم يفتح الدرج لتقبل الرشاوى , و فى بلدٍ يعاقَب فيها المجنىّ عليه لأنه سجل لحظة الاعتداء بدونٍ إذن نيابة , هذا سيكون فنه بلا أدنى تجميلٍ ! و رمضان قدّم البلطجى حين أصبح البلطجية سادةَ الحوارى , وغنى المهرجانات حين غنى الكبار لصفوة المجتمع , و لعب دور البطل حين اهتزت فينا القدوة .. غيّروا المجتمع تتغير الشاشة ..

قد يكون الحكم قاصرا حين لا نمنح التجربة فرصتها لأن تكتمل , و معظم النجاحات الكبيرة بلغت مجدها حين تجاوزنا عن الإخفاقات الأولى .. فلو أن الجمهور و النقاد ذبحوا الممثل الشاب - حينها - محمد صبحى لعبارته المسرحية التى تحمل إيحاءً مبتذلًا, حين قال " انت مش بتحط فيها خيار " , لمَا صحح الأخير مساره و قدّم لنا أعظم عملٍ تربوى عُرض على شاشتنا الصغيرة , و هو يوميات ونيس .. و لنا أن نعترف بأننا غفرنا إساءة سينما المقاولات و مشاهد الثمانينيات الجريئة التى حذفها التليفزيون المصرى و عرفناها حين دخل الدش بيتنا, لمجرد أن بعضًا من صناعها ارتدين الحجاب على كِبَر !

الكلمات الأخيرة موجهة إلى محمد رمضان : ثمة مثالان قلّبهما أمام عينيك , الأول هو عادل إمام , أمدّ الله فى عمره الفنى لما قرأ أعمال نجيب محفوظ , و جالَس المثقفين , و شاهد مسارح العالم , فأعاد إنتاج شخصيته الفنية مراتٍ عديدة بفضل عقله الذى سبق اندفاعه , و ثقافته التى هذّبت موهبته . أما المثال الثانى فهو محمد سعد, الذى استنفذ كل عضلةٍ فى وجهه ليضحكنا , إلى أن انتهى به الأمر فقيرًا و مفلسًا يقلّب فى جثة اللمبى الضامرة لعله يجد فيها عضلةً لم تنقبض بعد , و لم تُقدّم له قبلة الحياة من جديد إلا فى فيلم الكنز , الذى كنتَ أنت أحد أبطاله ! أتمنى أن تقرر أى الأمثلة جديرة أن تُتّبع ..

كما أتمنى ألا تتكئ فى تقييمك لنفسك على أرقام المبيعات , لأن فى مجتمعٍ رأسمالى كهذا يمكن أن يُغَض الطرْف عن رجلٍ يهبط على سطح القمر فى مقابل إذاعة لقطةٍ لمختلٍ يمشى عاريًا, لمجرد أنه يجتذب عددا أكبر من الإعلانات ! 

فكما يتهافت النجوم على ضم مصممى المعارك إلى فريق العمل , ضُم أنت إلى فريقك مشيرين نفسيين يعاونونك فيما تقدم على الشاشة.. اقتنِ مكتبةً تشجع بها متابعيك على القراءة. و كما يتبارى زملاء مهنتك فى الذهاب إلى أطباء التجميل , تجاوزهم أنت وانتقِ طبيبا نفسيا يكشف لك ذاتك من الداخل , لعل طموحك نحو القمة يدفعك لأن تأنس بجلسةٍ خاصة فى ضيافة الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي , فيكشف لك هذا العالم الجليل ما فاتك من أغوار النفس البشرية و تعقيداتها , ما ينعكس على عمق ما ستقدم مستقبلًا..

محمد رمضان , أنت أهم من الفيرارى التى تركبها , و دمعة عينك فى مشهد تراجيدى متقن أكثر قيمة من صورك وأنت ترقص مع النمر . أحببتُ رسالتك لطلبة الثانوية العامة , و الجناح الذى افتتحته باسم والدك للعلاج المجانى فى مستشفى 57357 , و ذكرك لتفاصيل تصميم بيتك لتفوق غرفة والدتك مكتبك , حتى تكون على حد تعبيرك قدما أمك فوق رأسك ... اعلم أن المدح كالذم , عند تجاوز الحد يصبحان شديدى الفتك بالإنسان .. أتمنى لك أن تظل مؤلف المعادلة , لا مجرد رقمٍ بها .