الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يحيى ياسين يكتب: "رفيقة الخيال"‎

صدى البلد

في مُخيلتي رسمتها، وبعيني صورتها، كالبدر في تمامه ليس في بهاءها فتاة رأتها عيني، خصال رأسها تزينها كالورد في البستان، شفاهها كأنها رُسمت لتُقبل، تحت عينيها سواد ينم عن حزن قلبها الصغير، وحسنة تزين وجنتيها كأنها من حبات الجنة.

سنون قد مضت لا تفارقني، أحدثها في مخيلتي وأضحك، أحقا أجدها يوما؟ كنت كثيرا لا أرى العاشقين سوى زائفي المشاعر!، حتى رأيتها تُقبل أمام ناظري فبت في جمالها أهيم، كانت تمشي على استحياء كأنها اتخذت من الخجل رداء لها، ارتجفت اركانها حين سقطت نظراتي عليها كالسهام
.
اهتزت قليلا فأسقطت حساءها والتفتت في خجل، "من أنت وماذا تريد"، أجبتها ببسمتي الواسعة من أقصى فكي إلى أدناه، لم يسطع لساني التفوّه بكلمة واحدة سوى البسمة العريضة البلهاء، كأنني قد صعقت من حسن بهاءها وجمالها بل كدت أجلس كأن جسدي تثاقل إذ أرى من حلمت بها تقف أمام ناظري.

جاءت تناجيني وقد دُهُشت من فرط بسمتي وبلاهة منظري البائس المتعرق من خجل الموقف، ماذا أصابك يا هذا؟ هل هو هاتف من شيطانك أم أنك لم ترى من جنس الإناث قبل ذلك؟ وددت لو أجيبها أن نعم!، بل لا أجد لساني ذو طاقة أن يجيب أو يتحدث سوى أنه تثاقل أيضا وأركاني كالمرهق من تعب السفر، بل نعم أنا المتعب من فرط انتظاري لها.

عدت أخاطبها وقد غضبت من ملاحقتي، أصابها كبريائها فتمنعت عني، أشاحت بوجهها أن ابتعد أيها الفتى، ناجيتها ألا تشفقين على فتى قد داب في العشق والولع والحرمان يا سيدتي، ألا تصلين عاشقا احترق قلبه شوقا لكى طيلة عمره؟، ابتسمت قليلا فقالت " هل جُننت يا هذا؟، أي عمر تنتظرني ولم ترني سوى لبضعة أيام؟".
بتنا نهمهم بصوت منخفض وكلها خجل من حديثي، تجيبني بقدر ما أسأل بل تتمنع وهي راغبة فيّ، كانت تنظر في استحياء كلما هممت الخروج أجدها تشير بعينيها أن اجلس، لا زال في حديثنا بقية، لم تصافحني حتى غادرت قائلة "ستجدني حين أعشقك"، لست بمغرمة بحديث العاشقين!.

أصبحت كالأخرق لا أجيد سوى أن أهمهم نائما بحديثنا، أتغزل في جمالها، أود أن أحكي لكل من أرى أنني أحببت، نعم أحببت!، جاءني صديقي يحدثني وقد أصابه ما أصابه من حالي، أفأنت تتحدث عن العشق وقد كنت تجحده بل تستهزا بمن يذكره يا أسيره الآن؟ لا زال الزمان يأتينا بكل عجيب!.

"أصابني حديثك فلم أنم البارحة، لا سامحك الله، ويحك ما صنعت بي أيها الفتى"، رأيتها قادمة من بعيد تلوح بيديها وهي معتدلة القوام ظننت أني ارتكبت جرما فصمت كالبائس أسمعها، لم أفهم ما تشير إليه، هي باسمة وتدمع وتتلفظ بجميل القول من بوادر العشق، تارة توصلني بأنها قد عشقت قولي، وأخرى تنبذني لأنها لا تحب العشق!.

وجدتنا في مجلسنا نبكي حالنا، أحدثها عن حالي قبل أن أراها، فتجيبني متساءلة كيف جمد قلبك عن النساء طيلة عمرك؟ هل لست رجلا يعشق ويحب؟ فأجيبها لم أر من النساء من تحرك ما كان خامدا يا سيدتي!، ْآلآن حصص الحق وأخرجت ما كنت أكتم بي طيلة سنين مضت، فهي تجلس كأن حديثي أطربها تشير بيدها كأنها تقول زدني من طيب قولك.

قليلا وضعت يدها على كتفي، كأنها حملت طمأنينة الكون في كفيها الناعمين فباتت تبث بي ما بها، ترجف قليلا من نظراتي المفرطة في البسمة والعشق، تشيح بوجهها عني أن أكف عن هذا فإذا ما فعلت مرادها أعادت وجهي نحوها.

عُدنا نشاكس بعضنا في مجلسنا تروي لي ما أصابها منذ طفولتها، جرى الوقت بنا لم نشعر إلا وقد غابت الشمس ولم تصمت ألسنتنا، في مصائب الأمور أو توافهها وجدتنا نهيم لا نصمت إلا وقد ابتسمنا فضحكنا فعدنا.

باتت لي كالماء، بل أرتوي من عينيها أكثر، شعرها تضعه على جنبها الأيسر ببسمة يضحك الكون لها فأجد قلبي يخفق سريعا كأنه يقف من شدة جمالها، دلالها وهي غاضبة مني فتشيح بوجهها ثم تعود تبتسم كغروب الشمس عني ثم شروقها بعد عتمة الليل.

تمسك بأصابعي تضغط عليها تارة كلما غضبت من حديثي، وأخرى أشعر كأنها تحتضنها وأنا بين الفينة والأخرى أختلس النظر لعينها وأضحك فتخجل، نمرح في مجلسنا كطفلين لم يتخطيا العاشرة، تغار من الهواء إن لافح وجهي، باتت كصغيرتي أخشى عليها خطواتها بل كادت تناجيني بسيدي.

فارقتني الصغيرة إذ عادت لبيتها، شهور لم تشرق الشمس على وجهي، وامتنع القمر عن وصالي فغاب عن ناظري، بؤس حلّ بي فلم أسطع أن أكون في قوامي، وجدتني احتلب عمري بعيدا عنها.

يوما أستيقظ على هاتفي، صوتها وقع على مسامعي كطرب معزوفة أحبها " أنا في طريقي إليك" ، لم يساورني أن أسالها كيف ومتى وأين ولماذا؟ وجدتني أسقطت هاتفي من هول ما أصابني، وشُلّ لساني عن الحديث وأغلقت هاتفها لم تخبرني بأي شي سوى "انتظرني في مكاننا".

جلست على الطريق أحدق في المارة كأنني أفتقد شيئا من جسدي، كأنني أصابني دوار فاتكأت فإذ بي أجد فتاة تعانقني من خلفي!، تهمس في أذني "ها قد عدت"، ألا لعنة الله على من فرق جماعتنا يا سيدي!، ضممتها لصدري فعانقت رقبتي برفق وهي تهمس "اشتقت كثيرا " التحمت بي كطفلة تائهة عن ابيها، صمت أصابنا في عناقنا لهو أبلغ من حديث قرن!.

فيا سيدة الكون ومليكتهم، وددت لو كانت الكلمات تسطع أن تصف قدر عشقي ولكنها لا تفعل، وإن استطاعت فلجمالك لا يوصفُ..