الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بهجت العبيدي يكتب : الخروج من حالة الخضوع والاستسلام العربي

صدى البلد

لست من أنصار تلك الأفضلية التي يحاول البعض إلصاقها لبعض الشعوب على البعض الآخر، ولست ممن يؤمن بذلك الزعم الذي يحاول البعض تصويره على أنه حقيقة بأن شعبنا العربي أقل من غيره من الشعوب التي يحاولون أن يوهمونا بأفضليتها، في ذات الوقت الذي لا أزعم فيه بأفضلية مفترضة لنا يحاول فريق منا أن يمنحها إيانا لا لشيء سوى لانتمائنا لهذه الأمة حتى ولو لم نقم بما يجب القيام به من عمل دؤوب، وجهد عظيم لننال درجة متقدمة في سلم الأمم التي تقدم للإنسانية ما يفيدها، ذلك الدور الذي قمنا به في فترة تاريخية كان لنا اليد الطولى فيها حضاريا.
 
لا أنكر أن هناك تردٍّيا يمر به عالمنا العربي، ذلك التردي هو الذي يطرح السؤال عن الخضوع والاستسلام العربي!، وإن كنت في ذات الوقت أرى أن الوضع الراهن هو نتيجة لعوامل تاريخية وكذلك عوامل عالمية تتفاعل فيما بينها لتنتج الحالة الراهنة التي هي حالة مؤقتة لا نشك في أنها لن تستمر، حالما أخذنا بأسباب الخروج منها.

لا أومن بفكرة التغيير من أعلى تلك التي يصور من خلالها البعض وكأن ما نحن فيه هو نتيجة لأن هناك من يتولى الأمر وهو ليس أهلا له، ولكني أومن أن عملية الخروج من هذه الحال التي نحن فيها، تبدأ من القاعدة من بناء الإنسان وذلك لن يتأتى إلا من خلال وضع إستراتيجية واضحة تتناغم فيها كل المؤسسات المساهمة في بناء الإنسان ابتداء من الأسرة والمدرسة ودور العبادة ووزارات الثقافة ووسائل الإعلام المختلفة وكذلك المثقفون العرب والأدباء والذين هم من يشكل وجدان الأمة، وعلينا في البدء أن نحدد أي إنسان نريد بناءه، وأي منتج نريد الحصول عليه، وهنا لابد أن نحدد أي شكل من الحياة نريدها، ولابد أن يتفق كل ذلك والعصر الذي نعيشه الآن، وأن نبني الإنسان القادم بما يتناسب والعصر الذي سيحياه مع غيره من شعوب العالم، ذلك الذي لا يعني - كما يمكن أن يبدو للبعض - التخلي عن هويتنا العربية الإسلامية التي تشاركَ في صنعها الهويةُ المسيحية الشرقية! حيث أن هناك - كما هو معلوم - محاولة لسحق هويات بعض الأمم والتي يأتي على رأسها الهوية العربية.

إن تلك الحالة التي نمر بها لا يمكن الخروج منها بين عشية وضحاها ولم يكن لغيرنا من الأمم ذلك، فتغيير أوضاع مجتمع يحتاج إلى وقت يتم فيه بناء الإنسان، إن المهم أن يتم رسم الاستراتيجية المناسبة لهذا البناء، والأكثر أهمية هو البدء الفعلي للإتيان بالخطوة تلو الأخرى في هذا المشوار الطويل، والذي يجب أن يكون هناك الحرص كله على إتمامه.

ومن نافلة القول التأكيد على أنه يجب أن يكون هناك اتفاق بين الدول العربية على الخطوط العريضة لتلك الاستراتيجية التي تحدثنا عن ضرورة وجودها، مع الأخذ في الاعتبار بعض التباين الموجود بين الدول العربية، كما يجب الاستفادة من الأعراق غير العربية التي تشاركنا الحياة في عالمنا العربي والتي هي عنصر رئيس من مكونات الوطن العربي بمفهومه الشامل، ذلك الذي لن يتأتى إلا بالاعتراف بأن تلك الأعراق تضيف لثقافتنا العربية، وأن لها إسهامات يمكن أن تثري هويتنا وأنها لا تمثل خطورة كما يرى بعض ضيقي الأفق الذين يضعون القوميات المختلفة التي تشاركنا عالمنا العربي في موقف المواجه بل المعادي للثقافة والهوية العربية.

لن نحتاج وقتا طويلا إذا كانت هناك إرادة في بناء الإنسان العربي، فخلال القليل من العقود – حال بدأنا اليوم – سنتمكن من الحصول على إنسان قادر على أن يعيش عصره، وأن يسهم في صنع الحضارة، وأن يقف بجوار غيره من أبناء الشعوب الأخرى موقف الند والنظير، وساعتها لن يكون هناك خنوع ولا استسلام بل مشاركة في صنع عالم المستقبل القريب، كما شارك أجدادنا في صنع عالمهم.