الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الكنبة اللي ورا


قضى عمره كله متنقلا من بلد لآخر، سعيا وراء لقمة العيش واستقر به المقام فى قاهرة المعز وكان ابوه يقول له دوما متقعدش فى الكنبة اللى ورا يا ابنى ابدا. ولم يستوعب مغزى الجملة ولا معناها لذا سأله عنها، فقال له الايام هتعلمك بس افتكر دايما انى نصحتك.

حزم أمتعته وودع ابويه واخوته الصغار وسافر الى مصر كما يقولون عنها فى القرى والنجوع وسكن في شقة بأحد الاحياء الشعبية وتوجه فى اليوم التالى لمقر عمله الجديد الذى كان قد حصل عليه عن طريق صديقته مايسة والتى تهتم لامره وتسعى سعيا دؤوبا لاسعاده ؛ عندما نزل من البيت دله الجيران على طريقة مواصلات زهيدة التكاليف وسريعة لان السائقين فى هذه الوسيلة عفاريت على حد وصف الجيران ، عندما وقف ليركب الميكروباص وعندما صعد سلالمه لم يجد غير الكنبة اللى ورا فقط والعربة كلها ممتلئة فعاد ادراجه منفذا لنصيحة أبيه وسمع ضحكات وتريقة ممن فى العربة واولهم السائق ولكنه لم يهتز ولم يتأثر وانتظر حتى انتهى السائق من ملء عربته بالزبائن وركب العربة التى تليها وكان كل وعيه وانتباهه مركزا على الكنبة اللى ورا .

فى هذه المرة ركبت بنتان فى مقتبل عمرهما جميلتان وبجوارهما سيدة مسنة ؛ وانتظر صاحبنا ماذا سيجرى فى الكنبة اللى ورا متلهفا معرفة سبب نهى ابيه عن الجلوس فيها ، وسمع حوار البنتين وتركز كله على الشباب ومعاكستهم لهما واعترفت احداهما للاخرى بأنها تحب اخاها، فما كان من صديقتها الا ونبهتها لان اخاها عربيد وبتاع نسوان وهيضحك عليكى لانه مش بتاع جواز، وحينها قاطعتها صديقتها تطلب منها ان تسهل لها فرصة لقائه وتترك الباقى عليها وحينها ردت صديقتها بأن لو كان على كده سهل بس ماتنسيش انى حذرتك ؛ وقاطعت حديثهما السيدة العجوز لتنصح الفتاة الولهانة بالابتعاد عن هذه النوعية من الرجال لان اللى فيهم داء بيفضل معاهم لبعد طلوع الروح .

ونظرت الفتاتان للسيدة العجوز ولم تردا عليها واكتفيتا بالابتسام لها ولكن السيدة ظلت تواصل وتحكى عن فلانة جارتها اللى صبرت على جوزها يمكن ربنا يهديه ويبطل الداء الوسخ ده ولكنه لما كبر زاد وطلقها واصبح فاتح ع الرابع ، وغيرها وغيرها وفجأة نادت البنتان على السائق ماتنساش يااسطى محطة الخلفاوى فيرد عليهما استعدوا خلاص الجايه على طول وتنزل البنتان ويصدم صاحبنا من عدم وجود ما جعل ابيه يحذره  منه؛ وبعدها تنزل السيدة العجوز وينزل هو الى مقر عمله الجديد ..ويتسلم الوظيفة ومع الايام يصبح محبوبا فى العمل والكل يشيد به ، ويواظب هو على ركوب الميكروباص ومراقبة من يركب فى الكنبة اللى ورا وبنفس السيناريو تسير الاحداث مع تغير الاشخاص والحكايات . 

عام وراءه عام وهو يكبر ويترقى فى عمله ولكنه لا يدرك سبب نصيحة ابيه له بعدم الجلوس فى الكنبة اللى ورا . هذا اللغز اعياه حتى انه عندما اصبح لديه من المال مايمكنه من اقتناء عربة لم يفعل ذلك طالما انه لم يدرك الحكمة من عدم الجلوس فى الكنبة اللى ورا . وحاول على استحياء ان يسأل اصحابه القاهريين عن سر هذا اللغز الا انهم كانوا يعتقدون انه يداعبهم وهو غير قادر على اخبارهم بأن هذه النصيحة تفسد حياته، وفى يوم قال لنفسه ولما انا فى حيرة سأسافر الى بلدنا واسأل ابى واطلعه اننى لا اعرف الحكمة ولم تعلمنى الايام مغزاها ، وبالفعل سافر الى اهله وبعد ان اطمأن عليهم واعطاهم ماأحضره من هدايا واموال سأل عن ابيه ليعرف سر عظته له وتحذيره من الجلوس فى الكنبة اللى ورا مع ان كل الناس يجلسون فيها ولا يوجد ما يعيبها .

وجد اسرته كلها تندهش من سؤاله عن ابيه وينفرون منه لانهم ارسلوا اليه حينما مرض ابوه مرضا عضالا وكان يطلب رؤيته ولم يأت ليراه ولا يودعه الوداع الاخير ؛ وحينها وقع صاحب قصتنا مغشيا عليه ليسمع ويرى وهو بين الغفلة والتيقظ امه واخوته يضحكون ويقابل ضحكاتهم بامتعاض وقرف شديدين ويسأل بسخرية ايه اللى بيضحكم اوى كده ؟ وحينها يسمع صوت ابيه يأتيه من عالم غيبى قائلا :عندما قلت لك لا تجلس فى الكنبة اللى ورا لم اكن اعنى ما فهمته فقط اردت ان اوضح لك حقيقة الا تضطر لأى شىء وترضى ان تكون فى الخلف وتكون مجبرا على اية وضعية ، اردت لك عيشة كريمة لا بقايا الاشياء ، كنت أتمنى لك الافضل دوما وليس ما عف عنه الناس وتركوه .. 

استقبل تفسير ابيه بمرارة وحزن فقد ضاعت مرحلة كبيرة من عمره وهو يراقب من يجلس فى الكنبة اللى ورا ؛ نسى اهدافه وضاعت منه مايسة لانه ركز على عدم الجلوس فى الكنبة اللى ورا ، خسر اشياء قيمة لانشغاله بمعرفة ماذا يجرى فى الكنبة اللى ورا؛ والان وعندما عاد الى المحروسة لم يجلس الا فى الكنبة اللى ورا ...
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط