الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب : مستلزمات المدارس وغلاء أسعارها‎

صدى البلد

يتوافد المواطنون على المحلات التجارية والمكتبات الدراسية لشراء مستلزمات المدارس، استعدادا لبداية السنة الدراسية الجديدة، وأثناء إقبال أولياء الأمور على المتاجر واجه جموع من الناس غلاء واضحا وضوح الشمس في كل ما يخص احتياجات المدارس سواء كان في أسعار الحقائب الدراسية أو الأدوات المدرسية، حتى وصل الأمر إلي الزي المدرسي سواء كان جاهزا بالنسبة للمدارس الخاصة أو تفصيلا بالنسبة للمدارس الحكومية.

فالغلاء ظاهرة اكتوي بها كل طوائف الشعب، ولم يعد يقتصر على الطبقات الفقيرة. فاحتياجات المدارس الخاصة من متطلبات أصبحت تفوق قدرات أولياء الأمور نظرا للمغالاة في أسعار الزي المدرسي الذي يزيد سنويا أضعافا، إلي جانب الورقة التى يتسلمها الطالب في أول يوم دراسي والتى يكون محتواها العديد من البنود التى تقوم على أساس منظور مادي بحت ، فلم تعد مشكلة ولي الأمر هو دفع المصاريف في موعد القسط المحدد له فحسب، بل أصبح يواجه أيضا طوفانا من المتطلبات على مدار السنة بأكملها دون توقف.

ويبقي السؤال : هل هذا السيل العارم من المتطلبات وحالة الغلاء الذي تشهدها البيوت المصرية عقاب لكل ولي أمر رغب في تعليم أفضل لابنه أم أن نظرية كل من يلحق ابنه بمدرسة خاصة فهو من الضروري من الطبقة المرفهة مازالت قائمة؟!

فهناك كثير من الأسر التى تنسب إلي الطبقات الوسطى تلحق أبناءها بالمدارس الخاصة على حساب راحتها، فقد تحرم نفسها من أساسيات الحياة وقد نجد عائل الأسرة يعمل أكثر من وظيفة، وقد نرى الأم تسعى لتدبير القسط من خلال عملها أو من خلال جمعيات في حالة أنها ربة منزل، فقد يدفعهم الأمر إلي الاقتراض ووقوعهم في ضائقة مالية من أجل مصاريف العام الدراسي، فما بالك بالبيوت المصرية التى يوجد بها ثلاثة تلاميذ في مراحل تعليمية مختلفة.

فإذا كان هذا حال أصحاب الطبقات المتوسطة مع المدارس الخاصة، فكيف سيكون حال الطبقات الفقيرة مع المدارس الحكومية فإذا كانوا قد ارتضوا أن يلحقوا أولادهم إلي فصول بلغ العدد بها إلي أكثر من سبعين طالب.فهل جزاؤهم أن يشتروا خمس ملازم لطالب في المرحلة الابتدائية ، أو إذا كان في المرحلة الثانوية فالامر يتطلب إلي أربعة عشر ملزما ، إلي جانب فصول التقوية وغيرها من سلسلة مطالب لا تنتهي.

هل هذا أسلوب غير مباشر يتبعه الغلاء لإجبار الأهالي علي تسرب أبنائهم من تعليم ؟!فإذا كان ولي الأمر غير قادر علي مسايرة هذا الغلاء إلي جانب ظروفه المادية الصعبة ودخله المتواضع فماذا عليه أن يفعل؟! وما الحل عندما تصبح الدنيا بوسعها كثقب الإبرة أمام عينيه؟!

فالمواطن البسيط قادر على الاستغناء عن بعض احتياجاته الأساسية وليست الترفيهية ، فقد يتحمل هذا الغلاء الذي التهم الأخضر واليابس فقد يزهد في اللحم ويبتعد عن أصناف الفاكهة والخضار ويمتنع عن شراء علبة دواء لنفسه، ولكن عندما يصل سعر القلم إلي أكثر من خمسة جنيهات فهو مجبر علي شرائه لأن الأمر متعلق بمستقبل ابنه.

وعلي صعيد آخر، أصبحت حافظة الطعام التى يتناولها الطفل صباحًا عبئًا علي الأهالي، فقد اخترعت المدرسة أصناف من الأكل تتطلب ميزانية لوحدها، بات ساندوتش الجبنة موضة قديمة ، فقد حل محلها البرجر والبانيه، فإذا أحضر الطالب ساندوتش بيض أصبح يخالف تعليمات المدرسة ،ولا يصح أن يزامل أبناء جيله، دون مراعاة للمستوي المادي والحالة الاقتصادية لأولياء الأمور، فقد يكون الأب بالكاد يدفع أقساط المدرسة ، فما الدافع وراء إلزامه بمأكولات باهضة الثمن يعود توكيلها إلي محلات عالمية ،فإذا كانت هناك اتفاقية بين مدرسة دولية وبين توكيلات لمحلات أجنبية ،وعقد رحلات لأماكن سياحية بعينها ،فهذا يعد استثمارا تعود أرباحه للطرفين، ويبقي السؤال الذي يدق رأسي : ما العائد علي أولياء الأمور من كل هذه التكاليف الباهضة ؟!

فليكتفي الأهالي بالمصروفات الدراسية ولا داعي إلي المحاولات التى تستنزف جيوبهم تحت مسمى fun day ، lunch box ، كلها قناعات تستهدف العائد المادي، تحاول من خلاله المدارس الدولية المصرية السير على غرار المدارس الأجنبية، فهي تهتم بالمظهر وتتجاهل الجوهر ، تتغافل عن نظام تعليم قائم على الكيف وليس الكم، وتعير اهتمامها كله للشكليات التى لا تؤخر ولا تقدم نظام التعليم في شىء. فضلا عن أن هذه المدارس تنسي عاملا مهما - أو لعلها تتظاهر بالتناسي -وهو العامل النفسي للطفل ،فلابد أن يشعر بالمساواة مع غيره من رفاقه وأنه لا ينقصه شيء حتى لا يتسرب إليه إحساس الغيرة حيال زملائه حينما يشعر بالتفاوت بينه وبين صديقه ،فقد يعجز الأب عن تلبية احتياجات المدرسة بأكملها، مما يجعله يسير على سطر ويترك سطرا ،مما يولد عند ابنه شعورا بالغضاضة لأنه غير قادر علي مواكبة رفاقه واللحاق بهم من حيث مظاهرهم الخداعة ولكنها براقة بالنسبة له بسبب صغر سنه وضيق أفقه وقلة تجاربه في الحياة .

فالمدرسة دورها أن تخلق جيلا متوازنا نفسيا ولكن يبدو أن حال المدارس الحديثة هدفها تدمير نفسية الطفل وخلق كراهية بين رفاق الصف الواحد، في حين أن الحل سهل وهو أن تستغني إدارة المدرسة عن كل هذه المغريات، فوجودها لا يفيد وغيابها لا يضر في شىء ، لذا كان من الضروري أن نولي اهتمامنا بالمناهج الدراسية وكيفية تطوير نظام التعليم، وتحسين أحوال معلمين وخلق جيل يعتمد علي قدراته العقلية أكثر من اعتماده علي حفظ المحتوى الدراسي.

في النهاية مهمة المدرسة هي تخريج نشء مستير ذي عقل واع وفكر واهج قادر علي مواكبة الوسائل إلكترونية الحديثة، وليس من دورها أن تصنع حياة منعمة لأبنائها ، لأنها في النهاية زائفة وستزول بمجرد تخرجه من المدرسة، فهناك حالة اقتصادية لا يمكن أن يحيد عنها، وهناك واقع سيصطدم به عاجلا أم آجلا، فلا داعي إلي الفجوات التى تصنعها المدارس الدولية بين أولادها والمجتمع ، ولنكتفي بعبء المصروفات التى تقصم ظهر كل رب أسرة عند بداية العام الدراسي ،فلا حاجة إلي زيادة الحمل حملين من أجل مغريات عبثية لن تدوم ولم تستمر، فلنكتفي بأحوال المعيشية الصعبة ومستلزمات التعليم التى لا تنتهي إلا مع نهاية العام الدراسي، فلا داعي لمزيد من الأعباء المالية التى تسبب ضيقا للحالة الاقتصادية يتحمل توابعها الأسر التى تنتمى أغلبها إلي الطبقات المتوسطة والتى تميل بين الحين و الآخر إلي الفقر عندما يشتد الغلاء وترتفع الأسعار.