الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ثروت سلامة يكتب: قبل فوات الأوان‎

صدى البلد

الظلام يلف المكان بعد رحيل القمر .. العالم كله يغفو

عيناه تأبى النوم .. ساهرة تحملق فى اللا شىء .. قلبه يرتجف

وكأنه عصفور مُبتل فى ليلة من ليالى الشتاء

يشعر كمن دنا أجله وينتظر ملك الموت لينهى قصته مع الحياة

أذناه تلتقان أصوات متشابكة .. لا معنى واضح لها .. أفكاره تتصارع

أنفه تشم رائحة خطر قادم مجهول الهوية ..

شمعة وحيدة تجالسه يخدش ضوءها حياء الظلام الحالك

مضطرب .. ترك فراشه متسللا للخارج دون شعور وبلا وعى

يبحث عن هواء نقي .. فقد ضاق صدره وانقبض .. مشتت العقل

لا يتوقف شريط ذكرياته عن الاسترسال وإعادة الأحداث وكأنه يعيشها

بالتو واللحظة .. هدأت جميع المخلوقات من حوله ...

ولا يرافقه فى وحدته سوى السكون الرهيب . لا جليس ولا ونيس ..

يتذكر فجأة ليفيق من غفوته وسباته رغم يقظته هنا كانت رفيقته

ورفيقة عمره وأحلامه .. مازال طيفها يحتويه كل جزء بالمكان

حتى فى عبير نسمات الهواء الذى يتنفسه بنهم شديد كمفطر بعد صيام

منعه كبرياؤه من الصُراخ والنواح من هول آلامه حيث لم يعد يشعر بالحياة

وكأنه لا وجود له بين البشر رغم يقينه أنه حى يتنفس مثل كل كائن حى ..

جرت دموع عينيه كفيضانات تتدفق فى صمت فوق وجنتيه المتعبة والمُجهدة ..

تحركت سيول آلامه .. استمر الأنين المؤلم الرتيب ..

وكأنه يُعلن نهاية بلا نهاية ..

منذ سنوات ليست ببعيدة كان يعيش وينبض قلبه ويتنفس عشقا وسعادة

يتنعم فوق عرش عش الزوجية الهادئ

الذى يشبه روضة تملؤها الزهور والفراشات التى تسُر القلوب لروعتها

تغار منه الطيور التى تحنو على صغارها وتشق فضاء السماء الواسع

بحثا لهم عن طعام .. وتسعى بكل ارادة للاعتناء بهم وتعليمهم الطير والحياة ..

ترك لاقدامه العنان والحرية الكاملة دون شروط فى السير نحو ما ترغبه نفسه

التائهة فى ملكوت الله .. حتى توقفت أقدامه عند المكان الذى نودع فيه

أحبابنا السابقون والذى يوما ما سنكون بهم باذن الله لاحقين ..

ارتعشت كل أطرافه .. مد يده يتحسس قبرها

يأخذ من ترابه وينثُره فوق رأسه

يمزجه بدموعه التى تجرى كشلال شديد .. يحرك شفتيه ليقرأ الفاتحة

لروحها الطاهرة .. وأفاض لها بخالص الدعوات بأن يلقاها فى جنات النعيم

فإنها كانت نعم الزوجة ونعم الانسانة التى تعرف ربها

وتقوم بدورها على أكمل وجه

توقف الزمن فاندمج الماضى بالحاضر بالمستقبل

وكأنه يُعلن عن ميلاد الألم

والمُعاناة التى تكاد تعصره عصرا ..

يعود من حيث جاء .. لبيته الذى عاش به أجمل أيام حياته بجوارها

وكأنه يوهم ويُمنى نفسه بوجودها الآن فوق فراشه .. تنتظره كالعادة

بنظرات ساحرة وبابتسامة ينبض لها قلبه نبضات كتغريد البلابل ..

يشعر باهتزاز جسده .. ويد تحركه بلطف ومودة .. وصوت دافئ يناديه

استيقظ يا زوجى الحبيب انها السابعة ...

ينتفض واقفا كمن لدغه ثعبان من النوع السام

ليتراقص وكأنه يتلوى من اللدغة !

ويصفق بكلتا يديه كطفل صغير فرح بهدايا والده صباح العيد ..

يضمها اليها بشوق ولهفه متنهدا تنهيدة طويلة معبرة عن مدى عشقه لها

مؤكدا لها أنه لا ولن يغضبها ذات يوم وانه سيكون لها دوما نعم الزوج

ونعم الحبيب وانه لن يتوانى يوما عن اسعادها طالما بقى على قيد الحياة.

ولا يزال العمر يمُر بنا ليمنحنا الفرصة والارادة

لتحقيق كل ما نرغبه قبل فوات الأوان .