الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمود الجلاد يكتب «آفاق جديدة من التجديد الفقهي والإفتائي»

صدى البلد

يشهد عالمنا الإسلامي موجة كبيرة من المتغيرات والأحداث والمستجدات في عدة مجالات منها السياسي ومنها الأمني ومنها الاجتماعي ومنها الاقتصادي ، وهذه المتغيرات لا شك قد انعكست على المجتمع كله فأحدثت تغييرا كبيرا في مجريات الأمور على المستوى الفكري والبحثي ومنه الجانب الفقهي والإفتائي.

وظهرت في محيطنا الإسلامي موجة من الفتاوى الشاذة التي تتعارض مع وسطية الإسلام وسماحته ومرونته ورسالته العالمية السمحة، هذه الفتاوى حرضت على العنف والفوضى باسم الجهاد وحرضت على معاداة الآخر باسم الولاء والبراء وحرضت على انتهاك حقوق الإنسان وإهدار الحريات باسم سيادة الدين هذا إلى جانب انتشار كم كبير من المفاهيم المغلوطة والمتشددة حول قضايا المرأة والمشاركة السياسة وقد ساعد على انتشار هذه الفتاوى السيولة الشديدة التي اتسم بها الخطاب الإعلامي في هذا العصر حيث لم يعد ممكنا بحال من الأحوال السيطرة على نشر أية فكرة أو رأي مهما كان شاذا أو خطيرا بسبب انتشار وسهولة التعامل والتعاطي مع وسائل التعبير والنشر .

ولم يعد أمام المؤسسات الدينية الان إلا بذل مزيد من الجهد والعمل الجماعي الدؤوب لتجديد الخطاب الديني والفقهي خاصة فيما يتعلق بجانب الإفتاء وإحداث ثورة فكرية في كل ما يتعلق بالإسلام من قيم ومفاهيم فكان لابد من تتضافر جهود علماء العالم الإسلامي كله للتعاون من أجل التجديد الفكري ونشر الخطاب الإسلامي المعتدل الذي يدعو إلى التسامح ويرسخ إلى مبدأ المشاركة الكونية بين بني الإنسان على اختلاف أديانهم وألوانهم وعقائدهم ونبذ كل ما يدعو إلى العنف والتطرف.

وبزغت إلى النور مؤسسة عالمية هي الأمانة لدور وهيئات الإفتاء في العالم بقيادة فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، وهذه المؤسسة العالمية تنصهر فيها كل هذه الجهود العالمية وتخرج على العالم الإسلامي بعدد من النشاطاتالهامة والمؤثرة والتجديدية في الوقت ذاته أهمها المؤتمر العالمي الذي تعقده الأمانة للعام الثالث على التوالي بعد النجاح الذي حققته المؤتمرات السابقة والذي نتج عنها عدد من الاقتراحات والتوصيات تحولت إلى برامج فعلية على أرض الواقع.

لا تكتفي الأمانة في مؤتمرها العالمي بنشر مقترحات وتوصيات فقط بل تأخذ على عاتقها عقد برامج ولجان عمل دؤوبة لتفعيل وتنفيذ كل هذه التوصيات في نفس العام وقبل انعقاد المؤتمر التالي، وقد جاء العنوان الرئيس لمؤتمر هذا العام والذي سينعقد في الفترة من (16-18) أكتوبر من العام الحالي(التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق) ، حيث أصبحت قضية تجديد الخطاب الديني تشغل بال الكثير من المفكرين والباحثين.

أما قضية فوضى الفتاوى التي تنتشر بين الفينة والأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام المختلفة، فقد حرص المؤتمر على الدمج بين قضيتين من أهم وأخطر القضايا التي تستحوذ على اهتمام المشتغلين بالعلم والدعوة الإسلامية بل تجاوز الاهتمام بهاتين القضيتين إلى السياسين والقادة على مستوى العالم كله وهما قضيتا التجديد والفتوى.

إن إدماج قضيتي التجديد والفتوى في إطار مؤتمر علمي واحد يفتح آفاقا جديدة في إطار الجهود المبذولة لاستنقاذ الأمة والعالم من شبح التطرف وفتاوى الإرهاب، فقضية التجديد التي حث عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي في عدد من المناسبات داخل المؤسسة الدينية وغيرها والتي تعني بناء علاقات قوية قائمة على التعايش السلمي وترسيخ مبدأ المودة والرحمة والإعلاء من القيم التي ترسخ مبدأ السلم والأمن على المستوى الإنساني والعمل على القضاء على الأمراض الفتاكة التي تدمر المجتمعات كالفقر والجهل والمرض والعنصرية والتي تعد بيئة صالحة لنشر الارهاب والعنف والحروب والفتن.

تجديد الخطاب الديني كما دعا إليه الرئيس يعني نشر قيم التعايش والتسامح وهي قيم أساسية في الإسلام الحنيف وفي كافة الأديان السماوية، وعلى ذلك فالتجديد في مجال الإفتاء سوف يقضي على المفهوم السائد حول قصر الفتوى على مجرد علاقة ثنائية بين مفت ومستفت تهتم غالبا بفتاوى طلاق أو زواج أو طهارة وصلاة وصيام، بل يعني أن يكون المفتي المعاصر ملما إلماما جيدا بعلوم ومعارف عصره في شتى المجالات التي تغطي النشاط الانساني اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وطبيا وتعني أيضا ضرورة العمل المؤسسي الدقيق في ممارسة الفتوى وتعني أيضا إحياء مفهوم الاجتهاد الجماعي والاستفادة من التطور التقني خاصة في مجال النشر والإعلام في تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تلاحق الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الفضائيات.

إن الأمة الإسلامية تنتظر ما سوف تسفر عنه جهود أكثر من مائة وعشرين عالما من السادة العلماء الذين سيتوافدون من أكثر من ثمانين دولة يحملون هموما وأفكارا متعددة حول قضية الإفتاء وضوابطه والتجديد وضوابطه تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم لبحث قضية التجديد في مجالات الإفتاء ويأملون أن تتحول منتوجات هذا المؤتمر العالمي إلى برامج واقعية فاعلة تؤثر في حياة الناس وتسهم في القضاء على الظواهر السلبية الخطيرة التي كرسها انتشار فتاوى التطرف والإرهاب وسط حالة من الجمود الفكري والاجترار والاجتزاء الفقهي الذي دأبت عليه جماعات متطرفة متشددة لا تعرف التجديد ولا الانضباط في الفتوى، كلنا أمل وثقة في أن ما تقوم به الأمانة العامة من جهود لجمع كلمة علماء المسلمين في نسق تجديدي منضبط سوف يسفر عن نجاحات جديدة تضاف إلى ما حققته الأمانة العامة من نجاحات وإنجازات .