الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستشار أحمد سلام يكتب.. شينجيانج الصينية على طريق الحرير

المستشار أحمد سلام
المستشار أحمد سلام

في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بمبادرة "الحزام والطريق"، ومع المشاركة المصرية الفاعلة في هذا المشروع الإستراتيجي العملاق من خلال مشروع تنمية محور قناة السويس، قد يكون من المفيد أن نلقي الضوء على واحد من أهم محاوره ، وهو منطقة شينجيانغ التي تقع في شمال غرب الصين ،خاصة وانني قمت بزيارة العاصمة أورومتشي أثناء مشاركتى بمؤتمر وزراء الاعلام الأورومتوسطي قبل عامين وتحديدا في سبتمبر 2016.

تبلغ مساحة شينجيانغ 1.6649 مليون كيلومتر مربع، وتعادل سدس مساحة الصين، وتجاور ثماني دول بحدود تمتد 5600 كليومتر. تزخر شينجيانغ بالعديد من الموارد الطبيعية، فهي تنتج 30% من النفط و40% من الغازها الطبيعي وأكثر من 40% من الفحم في الصين.

تعد مدينة أورومتشي، أكثر مدينة بعدا عن البحر في العالم، كما أنها مركز قارة آسيا وأول مدينة على الجسر الآسيوي- الأوروبي. يبلغ عدد سكان شينجيانغ حوالي 22 مليون نسمة، يعيش ثلاثة ملايين ونصف منهم في العاصمة أورومتشي ، وتتمتع شينجيانغ بثقافة ومشاعر قومية عريقة .

و شيانجيانج هي بمثابة ممر استراتيجي هام يربط الصين بالخارج فهي تقع في المنطقة الداخلية للقارة الاورو أسيوية ، ولهذا تحتل مكانة جوهرية في مبادرة "الحزام والطريق"، وهي نقطة البداية للممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني، في إطار "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير".

ترتبط منطقة شينجيانغ بطريق الحرير البري القديم، فقد انطلق عبر أراضيها أول مبعوث صيني إلى مناطق آسيا الوسطى وغربي آسيا، كما أنها كانت أول منطقة صينية يصل إليها المبعوثون والتجار من مختلف البلدان الواقعة على طول هذا الطريق. وبعد أن طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير عام 2013، صارت المنطقة أكثر انفتاحا على الخارج ونافذة للتبادلات الصينية مع آسيا الوسطى والدول العربية.

وتشهد منطقة شينجيانغ تطورا هائلا مستفيدة من موقعها كمحور للحزام الاقتصادي لطريق الحرير، فقد أنشأت مركزا لتجميع البضائع ليكون همزة وصل لخطوط قطارات الشحن بين الصين وأوروبا في مدينة أورومتشي، بحيث يعمل على نقل سلع ومنتجات تضم أكثر من 200 نوع مثل الأجهزة والإلكترونيات، والمنتجات الكيماوية والزراعية وغيرها.

ومنذ بدء تنفيذ مركز تجميع البضائع في مايو عام 2016، ازدادت المقاصد التي بلغتها هذه الخطوط تدريجيا لتصل إلى 24 مدينة في 17 دولة بقارتي آسيا وأوروبا، وقلت مدة النقل بواقع الثلث مقارنة بما كان عليه الأمر قبل تشغيل خطوط النقل.

أورومتشي، عاصمة المنطقة، ليست مزيجا من البشر والألسن فحسب، وإنما أيضا خليط من العقائد فهي تحتضن بين جنباتها 55 قومية ، ففيها معبد كونفوشيوس الذي بني عام 1676، وفيها مساجد أشهرها وأكبرها ثلاثة، مسجد شانشي الواقع بشارع خهبينغ (السلام) الجنوبي الذي بني عام 1906، ومسجد يانغهانغ المبني عام 1897 ومسجد ناداسه المبني قبل أكثر من مائة عام. ومن ردهة مقر حكومة منطقة شينجيانغ ترى بوضوح الصليب مرفوعا فوق كنيسة مسيحية تتوسط المدينة.

وفي أورومتشي لابد أن تزور البازار؛ ذلك السوق المميز بطرازه المعماري الإسلامي، والمقام بمدخله مسجد بالطابق العلوي ومن تحته عدة طوابق هي متاجر تبيع المنتجات المحلية ومنتجات واردة من جنوب الصين. وإن كنت من هواة المساومة على الأسعار فذلك مكان مثالي.

أورومتشي مدينة تتغير، شأن كل بقعة في الصين، وتكتسب ألوانا جديدة وحديثة، فهنا تجد كنتاكي وماكدونالد وكارفور والعلامات التجارية العالمية المشهورة والفنادق الفاخرة والمولات الضخمة وزحام السيارات وحياة الليل في المطاعم والبارات ومقاهي الإنترنت والحدائق العامة.

وكما هو الحال في أرجاء الصين، ناهيك عن المذاق الخاص للاطعمة فهناك دجاج تشاي الحار والدجاج المتبل والمسلوق مع التوفو الحار ايضًا ،اما المكرونة الهلامية والشعرية بالباردة المطهوة على البخار ، والخبز الذي يحمل اللون الذهبي المغطى بالسمسم ،أما شيش الكباب هما فحقًا له مذاق مختلف ... تشعر هنا بأمان تفتقده في مدن كثيرة بالعالم.

كاشغر، مدينة أخرى ذات سمات خاصة، وحسب بعض المصادر، كانت كاشغر بداية دخول الإسلام إلى الصين، عندما وصل قتيبة مشارفها وبعث بوفد يفاوض إمبراطور الصين. إنها مدينة عمرها أكثر من ألفي عام، منذ أن أسست قبائل توشلان عاصمتها بها، ثم وصلتها البوذية في القرن الثاني الميلادي ووصلها الإسلام في القرن السابع الميلادي.

كاشغر منطقة إدارية يتبعها 11 محافظة ومدينة واحدة. يسكنها نحو أربعة ملايين نسمة، 93% منهم ينتمون إلى قومية الويغور والباقون إلى قوميات هان وطاجيك وأوزبك وقرغيز وغيرها.

تقع كاشغر في جنوبي شينجيانغ، يحدها من الشرق صحراء تاكلامكان ويجاورها من الغرب والجنوب الغربي قرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان والهند.

في هذه البقعة من أرض الصين أنت في واقع مختلف، المكان الواحد له اسمان، واحد بلغة هان وآخر بلغة الويغور، فمحافظة ييتشنغ بالصينية هي قاغلاق باللغة الويغورية، وساتشه هي يه كن وتسيبو هي بوسكام.

وهنا ترى واجهات المتاجر والمؤسسات الحكومية والإعلانات بلغة الويغور وهان معا وإن كانت الثانية تقل كثيرا كلما اتجهت جنوبا وغربا حتى تكاد تكون قاصرة على المؤسسات الحكومية الرمزية مثل مقر الحكومة والحزب.

والزائر العربي لهذا المكان لا يجد نفسه غريبا، فالناس هنا تشاطره كثيرا من ثقافته وتقاليده. وفي كاشغر لابد من زيارة مسجد عيدكاه، تلك التحفة المعمارية التي يرجع تاريخها إلى أكثر من خمسمائة عام. عيدكاه، ليس مجرد مسجد تقام فيه الصلوات ويحتشد بداخله، وفي الساحة التي أمامه، نحو عشرة آلاف مسلم ساعة صلاة الجمعة.

إنه رمز للانتماء العرقي والديني بطرازه المعماري الذي يشبه مساجد باكستان وأفغانستان والسجاد المفروش أمام المحراب في صحن المسجد.

المنطقة المحيطة بالمسجد تذكرك بخان الخليلي في القاهرة وسوق الحميدية في دمشق. عبق التاريخ ينبعث من كل زقاق وبوابة خشبية عتيقة ومشغولات يدوية من النحاس والفضة والألومنيوم.

في مدينة خوتان، الظروف الطبيعية شديدة القسوة، ولكن جهود التنمية لا تتوقف. تمتد في جنوبي مدينة خوتان سلسلة جبال قَراقُرَم، التي تربط خوتان بمنطقة التبت الذاتية الحكم. وتمتد خوتان شمالا إلى المنطقة الداخلية لصحراء تكلامكان، وتجاور منطقة كاشغر ومنطقة آكسو وولاية باينقولنغ الذاتية الحكم لقومية منغوليا، ويقع في جنوبها الغربي منطقة كشمير للهند وباكستان، ويبلغ طول خطها الحدودي 219 كيلومترا، وتبلغ مساحتها الإجمالية 8ر247 ألف كيلومتر مربع.

تغطي الجبال 3ر33% من مساحتها بينما لا تغطي الواحات المبعثرة إلى أكثر من ثلاثمائة بقعة في الفيافي وصحراء غوبي إلا 7ر3% من مساحتها.

تنتمي مدينة خوتان إلى المناخ الصحراوي الجاف، وتكثر فيها الرياح والعواصف الرملية في فصول السنة الأربعة، ويزيد عدد الأيام ذات الغبار والرياح عن 220 يوما في المتوسط سنويا، منها حوالي 60 يوما للعواصف الرملية.

الظروف الطبيعية القاسية هنا تجعل حياة الناس صعبة، والحكومة الصينية من جانبها تبذل جهودا جبارة لإقامة بنية أساسية تساعد في التخلص من الفقر، فالعديد من الطرق بنيت وغيرها مازال قيد الإنشاء وتقام مدارس بتمويل من الحكومة أو منظمات خيرية، وتساعد الحكومة الصينية الفلاحين في تسويق إنتاجهم، وخاصة من المشمش والعنب والبرقوق وذلك بإنشاء مصانع لمعالجتها وتعبئتها ثم نقلها إلى أماكن أخرى لبيعها داخل البلاد أو تصديرها. ومن هنا، فإن مبادرة الحزام والطريق تمثل بارقة أمل لأبناء كاشغر وشينجيانغ كلها.

في شمالي شينجيانغ، حيث تقع مدينة ألتاي، الصورة مختلفة؛ مراعي خضراء وخيول وقطعان غنم وبقر وجو معتدل ومياه جارية. وتعد بجيرة قاناس، أو كاناس، درة منطقة ألتاي الإدارية في شينجيانغ ولكن هناك أيضا بحيرة بورجين وشاطئ الألوان الخمسة الذي استثمر فيه أحد أبناء هونغ كونغ ستة ملايين دولار أمريكي لإنشاء حديقة سياحية تمثل نقلة في حياة أبناء محافظة بورجين بألتاي.

معظم أبناء ألتاي ينتمون إلى قومية قازاق، التي يقال إنها قومية على ظهور الخيل، وليس ثمة مبالغة في ذلك فالخيل رفيقة لهم لا تفارقهم.

وهم يستخدمون لغة خاصة تكتب بالحرف العربي ومهنتهم الرئيسية هي الرعي، حيث ينتقلون وراء الماء والكلأ أينما كان. ولكن الحكومة أقامت مستوطنات لهم يستقرون بها معظم أوقات السنة في إطار السعي إلى تحسين مستوى معيشتهم.

منطقة شينجيانغ بها حاليا 12 مطارا، وتوجد رحلات جوية إلى كل مدينة بالمنطقة، والسكك الحديدية وصلت إلى كاشغر والطرق العامة تربط كل المحافظات والبلدات والقرى باستثناء النائي منها.

وحجم التبادل التجاري لشينجيانغ مع دول آسيا الوسطى يحقق زيادة متواصلة، والمنطقة تستهدف الوصول بمعدل زيادة حجم التجارة الخارجية إلى 15% سنويا.

وبمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس المنطقة الذاتية الحكم في شينجيانغ، دشنت حكومة المنطقة مشروع بناء بيوت مقاومة للزلازل في أرياف شينجيانغ حتى لا تتكرر المشاهد المأساوية كلما وقعت هزة أرضية في هذه المنطقة. وتعفي المنطقة أكثر من مليوني تلميذ بها من الرسوم المدرسية وتوفر العلاج المجاني للرعاة.

يقال إن من لا يذهب إلى شينجيانغ لا يدرك كم هي شاسعة مساحة الصين، ولا يعرف حجم التنوع العرقي والثقافي والحضاري والاقتصادي في هذا البلد الذي يتقدم بسرعة نحو قيادة العالم.