الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. فتحي حسين يكتب..من المسئول عن أخلاقيات إعلام اليوم

د.فتحي حسين
د.فتحي حسين

ربما كانت هوية الاعلام في أي مجتمع من المجتمعات انه صاحب الرسالة النبيلة و السامية التي تستهدف الارتقاء بالوجدان وتثقيف الانسان والارتقاء بسلوكياته وتهذيب الذوق العام - الذي شهد انحدارا غير مسبوق وتراجعا في السنوات الستة الاخيرة في مصر عقب ثورة 25 يناير 2011 - وتشكيل الوعي الصحيح وغيرها من الغايات التي تصب في المصالح العليا للوطن وتسهم بشكل مباشر في تنميته والارتقاء به من خلال الالتزام بالاخلاقيات والمهنية في العمل.

والاعلام ينبغي ان يضم نخبة متميزة من المثقفين الذين استطاعوا الجمع بين مهنة الاعلام من حيث النظريات والمعارف العلمية والخبرة التي تثقلها الممارسة العملية وليس مجرد شهادة – مضروبة- للالتحاق بالنقابة التي تمنح رخصة المزاولة الصحفية والاعلامية بل يجب التدريب الجيد علي ممارسة المهنة ربما التفرغ لها وفي كل مجالات الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة .

وبهولاء الاعلاميين نهض الاعلام ونجح في تحقيق رسالته وغايته النبيلة المبتغاه . لكن الواقع المؤلم الذي نعيشه يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا نعيش فوضي اعلامية ليس لها مثيل وإعلام يملي علينا شروطه بقوة ويمارس بلا ضوابط واحكام فقد بات اعلامنا مجالا للمتسلقين والمزايدين وأصحاب الهمبكة الاعلامية الذين يمارسون الفهلوة والمحسوبية ويقتحمون العمل الاعلامي بالوساطات والعلاقات النفعية المتبادلة مع الاخرين – شيلني واشيلك - ويخترعون مصطلحات جديدة غير مفهومة مثل "الرونق العام " و"السلم العام" "الامن الاجتماعي " " الاستقرار الدولي " "عمل نفسه من بنها" " السلام الاقتصادي والسياسي" و "نشر مناخ تشاؤمي "و"الاخبار المحبطة" و"المثبطة " الاخبار المنشطة " الاخبار الساخنة "الناشط السياسي " والدكتور الناشط الجنسي" " طفلة البامبرز " "الاستاذة الجامعية الراقصة " وبرامج الهري "" وبرامج النميمة والنفسنه والفسفنة والبرامج الجريئة" "أجرأ قناة في الوطن العربي " " حوارات بدون سقف " .. وبرامج صراع الديوك " مذيع حريقة " و" المذيع النجم" .. و"جماعة الخرفان الارهابية وقناة الخنزيرة الاسرائيلية ..! وغيرها من المصطلحات التي لا يتسع المقال لذكرها والتي تؤكد مدي الفوضي الاعلامية التي نعيشها.

فأصبحت مهنة الاعلام مهنة لمن لا مهنة له او مهنة اضافية لكل من هب ودب فأصبح كل من يعتزل كرة القدم يهرول سريعا الي برامج التوك شوز لكي يقدم برنامجا رياضيا او تحليلا لمباراة كرة قدم من منطلق نظام "السبوبة " أو النحتاية " ومنهم من يطلق علي نفسه مؤسس الاعلام الرياضي في مصر والوطن العربي.

ومن المحامين من يخترق الاعلام وبرامج التوك شو مثل المحامي "الدولي" الشهير الذي يقدم برنامجا علي احدي شاشات الفضائيات ومن اعضاء مجلس النواب يقدم برنامجا شهيرا علي احدي الفضائيات ويعطي له معظم الوقت دون التفرغ الفعلي لقضايا الامة والشعب.

ومن اساتذة الجامعة من يتولي رئاسة تحرير صحيفة كبري بالمخالفة وهو ليس عضوا نقابيا ودائم الظهور كضيف في الفضائيات وهو شهير بقضايا الجنس والدين والسياسة , كما يهرول أهل الفن والمزمار الي تقديم برامج توك شوز سياسية والتوسع فيها وتصديهم للتحليل السياسي احيانا وناهيك عن دخول الطباخين مجال الاعلام حتي صاروا شخصيات عامة الان وانتشار البرامج التافهة مثل برنامج الثلاثي فضلا عن سعي إحدي الراقصات لتقديم برنامج دينيا في رمضان الماضي ! حتي وصل الامر الي إعلان استاذة الجامعة "الراقصة" ترشحها لانتخابات رئاسة الجمهورية الماضية تحت شعار :"هدلع الشعب المصري والرقص هو الحل"

ويفترض أن يحافظ الاعلام على أصالة المجتمع وثقافته وأخلاقياته. وقد اهتم المتخصصون بالعلوم الإنسانية المختلفة بإعطاء أهمية كبيرة للأخلاقيات المهنية على أساس أن لكل مهنة أخلاقياتها.وقد وضعت النظم السياسية المختلفة في العالم سياسات إعلامية متنوعة تنسجم مع أهدافها وتوجهاتها وتطلعاتها، إدراكًا منها لأهمية الإعلام وما يؤدي من وظائف كبيرة وخطيرة في المجتمع الا ان ما يحدث لدينا من ممارسات يجافي كل هذا وذاك .

وقدمت بعض المقترحات لترقية الاداء الاعلامي في القنوات الاعلامية المختلفة وتعزيز التزام القائمين عليها من اعلاميين ومحررين وناشرين بهذه الاخلاقيات والجوانب المهنية في العمل الاعلامي عامة .كما اطلق الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2004 مبادرة الصحافة الاخلاقية الدولية بهدف التأكيد علي الوعي بهذه القضايا ضمن المؤسسات والهيئات الاعلامية المهنية .وقدمت جمعية الصحفيين المحترفين في امريكا ديباجة قانونية واخلاقية ترتكز علي ضمان حرية الصحفيين وتحقيق العدالة بينهم واهتمام الصحفيين بالبحث عن الحقيقة والتغطية الشاملة والعادلة للاحداث والقضايا وسعي الصحفيين لخدمة الجمهور باخلاص ومصداقية واتقان بالاضافة الي ان السلامة المهنية هي حجر الزواية لمصداقية الصحفي.

وفي يونيو 2009 اتفقت مدونات الممارسات علي دليل جيب لمواجهة الممارسات الاخلاقية والمهنية وفيها العناصر المشتركة بين الدول , ومن اهمها الالتزام بالدقة والمعايير المهنية لتقديم تقارير واقعية , واهمية وجود محامي القراء والشعب وامين المظالم الذي ينظر في شكاوي وملاحظات المجتمع تجاه التجاوزات الاخلاقية والمهنية للصحفيين والاعلاميين وهي لا تعد ولا تحصي لاسيما في برامج التوك شوز التي اصبحت تدار بواسطة شركات الاعلانات العملاقة التي تتحكم في المحتوي المقدم واختيار المذيعة " المزة" أو المذيع النجم الذي يحظي بنسبة مشاهدة لجلب الاعلانات للقناة .

علي أي حال فالاعلامي الاصيل المتخصص لا يمكنه ان يعمل طبيبا او مهندسا او محاميا او راقصا في ملهي ليلي بينما الاوضاع السيئة للاعلام هو ما جعل اصحاب مهن اخري تقتحم مهنة الاعلام المقدسة وتعيث فيه فسادا وافسادا سواء عن علم او جهل , فلكل مقام مقال من أجل الحفاظ علي المهنة التي ضاعت من سنوات عديدة ولم يتبقي منها سوي اشلاء ومسميات فقط تحتاج الي اعادة الهيكلة من جديد وهو ما يلقي بالمسئولية الكبري علي المجلس الاعلي للاعلام الجديد وهيئتيه الوطنية للصحافة والاعلام وهذا المجلس نتمني ان نري منه ممارسات وطنية بجد وليس كلام والسلام ..  واصبحت ممارسات الاعلام أداة للجريمة فى كل الأحداث التى تشهدها البلاد بشكل عام في السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والعلوم ، فكم من الجرائم ترتكب باسم الحرية والمهنية.. إذا قدر لك أن تدرس الإعلام فستعلم أن ما يحدث ليس إعلامًا بل جرائم مكتملة الأركان.

فما يحدث علي الساحة الاعلامية والسياسية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن بعض ممارسات وسائل الإعلام بشكل عام تمثل جريمة مكتملة الاركان وعارًا على مهنة البحث عن المتاعب ولا تمت للإعلام بصلة..