الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد فوزي يكتب: السعي من أجل نظام تعليمي جديد "1"

صدى البلد

يقول عالم السياسة الأمريكي " جوزيف ناي " :
( أصبح التعليم أهم أشكال القوة الناعمة التي تستخدمها الدول في تحقيق مصالحها القومية والمنافسة علي الساحة الدولية علي كافة الأصعدة )
وفي ظل عالم يحتد فيه الصراع بين مختلف القوي علي الساحة الدولية أصبح التعليم من أهم الأدوات المستخدمة في هذا الصراع وفي كسب النفوذ وتحقيق المصالح ، فالتعليم هو الركيزة التي تقوم عليها كل أشكال القوة والنفوذ والتأثير وكذلك القسر والإكراه عند اللزوم .
ومن هذا المنطلق فإن أي خطة واستراتيجية تنموية مصرية ورغبة في استعادة الدور المصري الفعال والمؤثر علي الساحة الإقليمية والدولية يجب أن ترتكز علي وجود منظومة تعليمية قوية وفعالة ومتجاوبة مع متطلبات وتحديات هذا العصر .
ومبعث الأسي بالنسبة للمنظومة التعليمية المصرية أنه علي مدار عقود متتالية أدارت الحكومات المتعاقبة علي مصر ظهرها للمنظومة التعليمية التي ناضلت أجيال وطنية من أجل بنائها بداية من " محمد علي " وأول البعثات الخارجية التي أرسلها لفرنسا عام 1826 وحتي حقبة الرئيس جمال عبدالناصر .
أعقب هذا الازدهار الذي شهدته المنظومة التعليمية في مصر تدهور شديد في العقود السابقة حتي وصل بنا الحال إلي أن أشار تقرير التنافسية العالمية لعام 2016/2017 إلي احتلال مصر المرتبة 135 من بين 138 في جودة التعليم ، ومن هنا سوف نسرد في هذا المقال أهم الأسباب التي أدت إلي تراجع وتدهور المنظومة التعليمية المصرية وفي المقال التالي سوف نعرض أهم المقترحات والرؤي لبناء منظومة تعليمية قوية وفاعلة ومدي اتفاق هذه الأطروحات مع ما يسعي الدكتور " طارق شوقي " الي الوصول إليه من خلال منظومة التعليم الجديدة .
وبعد قراءة واقع المنظومة التعليمية ووفق دراسات أكاديمية يمكن الوصول إلي أن أهم أسباب تدهور المنظومة التعليمية في مصر علي مدي العقود الأخيرة تتمثل في الآتي :
1- عدم تبني الأنظمة السياسية المتعاقبة مشروع قومي ثقافي وفكري وتنموي في قلبه نظام تعليمي قوي يخدم هذا التوجه ، وتحول المنظومة التعليمية بالتالي إلي مجرد منظومة بلا هدف أو فلسفة واضحة .
2- تدهور المنظومة التعليمية ارتبط بتدهور القطاع الخاص ، فتقليص حجم أنشطة القطاع الخاص وتحجيم دوره أدي بلا شك إلي قتل روح المبادرة الفردية والتي هي أساس الإنتاج والإبداع والابتكار ، وبالتالي تحولت المنظومة التعليمية إلي خدمة " الوظيفة العامة " بدلا من خدمة " الإبداع والتفكير والعمل الحر " .
3- انشغال المعلمين وأولياء الأمور والطلبة بالسعي للحصول علي الدرجات العليا للوصول لما يسمي ب " كليات القمة " واختفاء الأهداف الوطنية والقيمية والتنموية للعملية التعليمية ، ونظرة المجتمع بشكل عام نظرة اجلال وتقديس للشهادات الجامعية والوظائف العامة في نفس الوقت الذي تنامي فيه شعور عميق بعدم احترام الشهادات الفنية وغيرها من شهادات الدراسات التأهيلية المتخصصة بحيث أصبح نيل أي شهادة غير الشهادة الجامعية يعتبر " سبة اجتماعية " .
4- اتسام المنظومة التعليمية بالجمود وعد القدرة علي مواجهة التغيرات المستمرة في معطيات الحياة .
5- شيوع العديد من الثقافات السيئة داخل المنظومة التعليمية واعتمادها علي هذه الثقافات مثل : " ثقافة الاجترار " والتي تتمثل في التركيز علي المستويات المعرفية الدنيا والاعتماد علي الحفظ الآلي والأصم ، " ثقافة التسليم " والتي تتمثل في الاكتفاء بما يقدمه المنهج الدراسي المقرر والمعلم واعتبار ذلك هو المصدر الوحيد للمعرفة وبالتالي تحولت المكتبات ومصادر المعرفة الآخري إلي مجرد ديكور ، " ثقافة التقليد " والبعد عن الفهم وبالتالي تجاهل القدرات العقلية كالنقد والتحليل والإبداع .
6- ارتباط هذا التدهور بالتدهور في المنظومة الثقافية وتراجع دور المثقفين مع تراجع المحتوي الأدبي والثقافي المقدم في المنظومة التعليمية .
7- ميزانية التعليم ميزانية ضئيلة ، حيث لم تتعد في العام الأخير 2018/2019 قيمة 90 مليار جنيه أي نسبة لا تتجاوز 9% من الانفاق الحكومي ، في ظل ضم المنظومة التعليمية لما يزيد علي 20 مليون طالب في 57 ألف مدرسة ومليوني معلم وإداري تقريبا .
8- المعلم المصري والذي هو ركيزة وأساس المنظومة التعليمية لم يحظ مطلقا بما يستحقه من اهتمام ودعم وتقدير ، ولم يتم النظر إلي مدي رضاه عن مهنته أو أوضاعه الاجتماعية أو المعنوية وبالأخص أوضاعه المادية ، حيث يبلغ ما يتقاضاه المعلم المصري في بداية تعيينه ما يقل تقريبا عن 1200 جنيه أي ما يعادل 65 دولار تقريبا في نفس الوقت الذي يتقاضي فيه المعلم الجزائري والذي يعد أفقر معلم عربي قبل المعلم المصري حوالي 400 دولار في بداية تعيينه وهو المبلغ الذي لا يحصل عليه المعلم المصري حتي بعد مرور 40 عام علي خدمته ، وبناء علي ذلك ووفقا لخط الفقر العالمي للفرد وهو 2 دولار يوميا فإن المعلم المصري اذا كان لديه أسرة مكونة من زوجة وابنين فإنه تحت خط الفقر .
أضف الي ذلك تدهور مستوي المعلم كجزء من التدهور العام في أداء الوظيفة العامة في مصر وتحول هذه الوظيفة بما تحمله من قدسية وجوانب قيمية ومعنوية الي مجرد شكل من أشكال الوظائف العامة .
وكما أن معرفة المريض بحقيقة حالته يعتبر ركن أساسي للشفاء في معظم الحالات فإن اتفاقنا علي وجود خلل في المنظومة التعليمية هو ركن أساسي لمحاولات إصلاحية تعطي بارقة أمل في غد أفضل .