الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هند العربي تكتب: يوم عسل ويوم بصل.. هذا حال التعليم في مصر!

هند العربي
هند العربي

لا نبالغ إن قولنا إننا بحاجة الي ثورة علي التعليم، أو تعليم علي غرار طريقة محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، الذي وجه جزءًا كبيرًا من جهوده من أجل الاهتمام بالتعليم وإحياء العلوم والأداب وبناء المدارس على اختلاف درجاتها من عال إلى ثانوي إلى ابتدائي، وارسال البعثات العلمية الي الخارج، والاستعانة بنماذج من النظم الأوروبية الحديثة في نشر العلوم للنهوض بالتعليم في مصر.

مفارقة غريبة لما نراه ويصيب منظومة التعليم وسير العملية التعليمية الآن، مشاهد إن بعثت لا تبعث غير علي أن الخلل بات واضح وصريح والفشل يحيط بِنَا من جميع جوانبه، يوم عسل ويوم بصل" في أولي ايّام الدراسة!، مشهد لتكدس طلابي بالفصول في أغلبية المدارس علي مستوي الجمهورية فصل يجمع فيه اكثر من خمسين طالب وطالبة يتلقون الدراسة دون فهم او تنظيم، والنتيجة طالب يتخرج من مراحل تعليمه الأساسي لا يفقه او يستفيد مما تعلمه او حتي ما تلقنه وحفظه، ومشهد التكدس الذي أدي الي وفاة احد التلاميذ "شهيد التعليم" نتيجة تدافع الأعداد، في منظر مؤسف وحزين، في الوقت نفسه الذي نري فيه رئيس جامعة القاهرة بالدراجات وحوله بعض الموظفين والطلبة في استقبال اول ايّام الدراسة للعام الجديد وكأن التعليم كان ينقصه ركوب "العجل" من اجل تحسين سير العملية التعليمية بسرعة !!

حتي الفيديو الخاص بالتلميذ الباكي والذي انتشر علي مواقع التواصل الاجتماعي لطفل يبكي في اول ايّام الدراسة ويستنجد بالمعلمة ان تتركه وحسبه ينام ربع ساعة : " يا حاجة انام ربع ساعة .. يا حاجة" !!!! مشهد لا يبعث علي الضحك والفكاهة كما تناوله البعض ومن ثم تم استضافة الطفل في احدي البرامج والذي اجاب مترددًا عندما سأله الإعلامي معتز الدمرداش بتحب المدرسة ؟ "بحبها بس مبحبش الفصل ده"! رسائل عدة يبعثها هؤلاء الطلبة والتلاميذ وان دلت لا تدل إلا علي ضياع مستقبل جيل بأكمله، ولا نتعجب ان تم الاستعانة بهذا الطفل في مجال التمثيل في الفترة القادمة! فللأسف نحن اعتادنا علي تقديم كل ما هو غريب وعلي غير الطبيعة لتصديره في جميع المجالات، فلا ألوم علي أسلوب وطريقة الطفل الذي لا يستطيع هو ان يفرق بين مخاطبة معلمته في المدرسة وبين بائعة في سوق مفتوح، سوي ان المؤشر خطير يهدد مستقبل احد أعمدة الأمة "جيل صاعد" !

ويروي لي أحد الأصدقاء عن مأساته مع ابنه في أولي ايّام الدراسة في احدي المدارس المشتركة للمرحلة الاعدادية التي قد وصل فيها الخلل والتدني الاخلاقي وعدم الالتزام واضح، بداية من الفترة المسائية والتي يصرف فيها الطلاب بعد الساعة الواحدة ظهرًا دون إسناد الحصص الي كبار المعلمين في تلك الفترة وكأنها فترة شبه غير موجودة، والكتب الدراسية لم تسلم حتي الان في بداية ثاني أسبوع للدراسة، بل وصل الامر الي ان يكون هناك بعض المعلمين ممن يروج بعدم الذهاب الى المدرسة ويشجع الطلاب علي ذلك!! وبالطبع هناك الكثير ممن يعاني مثل هذا الصديق "ولي الأمر" مع ابنائه.

فأزمة التعليم في مصر مستديمة في ظل العجز عن تنفيذ اية سياسة تطوير، وحتي سياسة تغير الوزراء لم تغير شيء، فالتغيير المطلوب يحتاج الي رؤية وتحديد أهداف ووسائل لتنفيذ هذه الأهداف وتمويلها، فنحن لدينا أكثرِ من ٢٠ مليون طالب في مراحل مختلفة وملايين الموظفين بالمنظومة التعليمية وحاصل الاستفادة والنتيجة لا شيء! مما يثبت ان الأزمة لا تتمثل في الإمكانيات المادية والميزانية ولا في القوانيين التي تحكم سير العملية التعليمية في مصر طالما لا يوجد من يطبقها، ولا في تدريب المعلمين علي نظام التعليم الجديد، فالمشكلة تتعلق في الادارة وليس التعليم، وفِي محتوي المادة التعليمية بالكتب من مناهج عقيمة لا يجيد او يفيد معها جهاز تابليت ولا أية تكنولوجيا اذا كانت المخرجات ومحصلة الاستفادة للطالب صفر !

نحن نحتاج الي رؤية مستقبلية وتخطيط قصير وطويل الأجل لزيادة عدد المدارس وزيادة طاقتها الاستيعابية من اجل مشكلة التكدس بالمدارس من خلال رصد ميزانيات مناسبة لهذا التطوير مع مشاركة المجتمع المدني في هذه الخطط وحث رجال الاعمال علي التبرع لبناء المدارس بجانب جهود الحكومة في هذا المجال أيضا فتح المجال للاستثمار الخاص وفقا لشروط وضوابط تضمن عدم المغالاة في الرسوم التي تثقل كاهل الأهالي، او أقلها عمل فترتين صباحية ومسائية حتى تستوعب المدارس هذا الكم من الإعداد ولا يتكرر حالات وفاة من التدافع من الأطفال في المدرسة.


مجمل القول.. ان حال التعليم اصبح لا يرثي له، ومصر قد خرجت من التصنيفات العالمية بسبب أن المناهج تعتمد علي الحفظ والتلقين فهي صاحبة المركز الـ 139 من 140 علي العالم، الامر الذي يضع وزارة التربية والتعليم أمام عدة علامات استفهام ومسئوليات، وتثبت ان المشكلة ليست في الميزانية فرغم ما تنفقه وتتحمله الأسر المصرية من مصاريف علي تعليم ابنائهم وما تنفقه الدولة في العام الواحد، يصبح الإنفاق العام للمجتمع ككل أسر وحكومة يتعدي المليارات من الجنيهات، الا ان رغم هذا الإنفاق نحن من أكثر الأمم تخلفًا في مجال التعليم، ذلك غير مشكلة الكثافة في الفصول ثم نلعن ونصرخ ونقول مشكله تفشي الدروس الخصوصية التي في رأي أنها ستزداد وهذا أمرًا طبيعي جدًا فليس من المعقول ان يكون هناك شرح وفهم في فصل به أكثر من خمسين طالب ثم تحاسب الطالب علي الفهم والاستيعاب! ذلك طبعا علي عكس الحال في الجامعات التي نري فيها المدرج به الالاف من الطلبة في بعض الكليات أمثال حقوق وتجارة وآداب، وفِي نفس الوقت لا توجد شكاوي من الطلاب، فالسبب يكمن ان الجامعة تقدم لهم مكان يستوعب هذا الكم في المدرجات وأيضا كل كلية تأخذ العدد المطلوب فقط التي تحتاجه، خلاف المدارس التي تستقبل اعداد كبيرة دون ان تقوم بعمل حصر للفصول والمعلمين، وان كنّا نحتاج الي ان نتوسع في إنشاء المدارس وخصوصًا في المرحلة الابتدائية كحل للمشكلة، وكما نتوسع في إنشاء وبناء المساجد والكنائس علينا ان نتوسع ونبدأ في بناء المدارس وايضًا المستشفيات، فالتعليم لا

فالتعليم لا يقل أهمية وهو ما أمر به الخالق سبحانه وتعالي وحث عليه رسوله "اطلبوا العلم ولو في الصين".

كما ان الإستثمار في انشاء المدارس بات مطلب المرحلة وأحد التحديات التي تواجه وزارة التربية والتعليم، كما يستوجب التركيز علي التوسع في انشاء المدارس الفنيه والصناعية والزراعية، الجزء المهمل من جانب المنظومة أيضا دون اهتمام او تطوير او مراكز تعليم وخدمه في نفس الوقت، متناسين ان حسن إدارة التعليم الفني ووضع الخطط الدقيقة للنهوض بتلاميذه، يخص وينعكس علي مستقبل الصناعة والحرف والزراعه في مصر.

قمة تحديات قادمة وضرورية تواجه التعليم في مصر وتحتاجه ابنائنا للنهوض بمستواهم ومن ثم بناء مستقبل أمة، فلا ينصلح احوالنا جميعا الا اذا تحسن مستقبل التعليم، وحتي لا تظل كل أيامنا " بصل " فيجب علينا أن ننظر إلى حالتنا الراهنة نظرة واقعية، ومن ثمّ نعمل على إصلاح هذا الوضع المزري ونحوله للافضل، وحتي لو تطلب الأمر ان نبني في كل ثلاثة شوارع مدرسة فلنفعل، وعلينا ان نتذكر جيدا ان النهوض بكافة القطاعات والمجالات لا يؤسس الأ علي تعليم سليم.