الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دنيا طارق تكتب: ليس لي

صدى البلد

منذ شهور أحضرت عصفورين، لم أكن أنوي اقتنائهما لكني عندما كنت أسير أمام قفصهم كل يوم وأنا ذاهبة لعملي كانت ألوانهما تخطف أنظاري رغمًا عني، أيام تمر ولم يباعا، لست معجبة بألوانهما وزقزقتهما فقط، ففي كل مرة كنت أقف أمام قفصهما كنت أحدق بهما وكأني أتغزل بهما، أجد صاحب المحل الذي يُعرضان به ينظر لي متعجبًا! أشعر أنه لا يفهم سبب عدم شرائي لهما بعد كل هذه المرات التي ذهبت فيها لمحله.
بعد يومين تغيبت فيهم عن عملي شعرت أنني أفتقدهما... نعم..أفتقد عصفورين ليس لي.
لكني أخيرًا قررت، هممت لأذهب وأخلص صاحبهم من تكرار مروري ووقوفي أمامهما كأني أرى عصفورًا لأول مرة، ولأريحه من تفكيره بشأني وبشأن نظراتي لهما.
ذهبت وطلبت منه شرائهما، وهو ينظر لي نظرات غريبة لم أتفهمهما بدقة، أظنه شعر أنني لم يكن لدي مالًا فقد عرض عليّ أن يهديهم لي دون مال بينما أنا أمنحه ثمنهما، لكني كررت رفضي فهذا لم يكن السبب.
بمجرد ابتعادي عن المحل بخطوات وجدت صوتهم يشتد، لا أدري إذا كان فرحًا أم لإعتراضهم على ترك المكان وترك صاحبهما!.
استمر تحديقي بهما لكن الآن هما في بيتي، كلما أنظر إليهما أتسائل..هل أصبت حين جعلتهم يتركون صاحبهم، لكنه إذا كان يريدهم معه هو لن يسمح ببيعهم، وأنا أحببتهم وأطعمهم وأضع لهما الماء كما يفعل، لكن ربما هما يحبانه هو أكثر، كيف يظنون أنه يحبهما وهو يضعهما في قفص رغم تأكده أنهم يعشقون الحرية؟! لكن أنا أيضًا فعلت هذا..أضعهم في قفص لأنني أحببت شكلهما واستمتع بالنظر لهما.
حملت القفص ووضعتهم في الشرفة علّي بهذا أكفر عن ذنبي وأتركهم في الهواء حتى لا يشعروا بالحبس، لكني وجدت العصافير الحرة تقف على السور وكأنهما يتحدثون مع عصفوريني، لا أدري لماذا شعرت أنهم يتشاجرون لكني لم أفهم السبب.
ربما الأحرار يخبرون المسجونين بمتعة الحرية أو يحسدونهم لكونهم يضمنون وجود الطعام والشراب كل يوم دون بحث أو تعب، أو ربما عصفوراني يخبرون البقية بوحشة الحبس ففي كل الأحوال مؤكد هناك طعام بالخارج مهما طال البحث.
فضلت أن أتركهما بضعة أيام في الخارج، حتى دخلت يومًا ووجدت الذكر منهما رأسه مقطوعًا ومنفصل عن جسده، والأنثى تقف على أرجوحة داخل القفص تنظر له، لا أدري إذا كان يحاول الهرب فالقفص لم يسمح له، أم أن طائر أشرس منه فعل به هذا.
حملته ودفنته وعدت لعصفورتي المتبقية، نظرت لها وأنا أفكر بالأصلح لها، أتركها هنا وأحاول حمايتها من الخارج ومن الكائنات المفترسة أم أنها ستتذكر الآخر فتتألم وربما أصبحت تكرهني، أو أتركها لحريتها التي خلقت لتتحلى بها وأفتقدها أنا؟
صعب أن تفقد ونيسها وتبقى مسجونة في الوقت ذاته، فرفعت الباب وتركتها تحلق، وتركت القفص مفتوحًا لربما تعود.
أخرج كل يوم لشرفتي وأنا أتمنى عودتها، أتمنى أن تعود بكامل إرادتها حتى أشعر أنها أحبتني فكنت أشعر أنني أرغمها على حبي، لكني حقًا أفتقدها وأفتقد حديثي معهما، وزقزقتهما في كل صباح، أفكر في أمرها إذا كانت حية أم لا، تجد طعامًا كل يوم أم لا تجد، أو إنها تريد العودة لكنها لا تعرف الطريق.

بعد فترة طويلة كنت أسير في شارع هاديء، ورأيتها، تذكرتها وارتسمت على فاهي ابتسامة واسعة، عرفت أنها هي من لونها المميز، وجدتها تقف أمامي وأنا سعيدة برؤيتها حية، رأيتها تسير أمامي على قدميها الصغيرتان على الأرض، تتقدم خطوتان ثم تعود لموضع وقوفي بعد تكرار هذا أكثر من مرة فهمت أنها تريد أن أتبعها، فجربت وفعلت هذا، سرت خلفها وهي بعد كل خطوة تنظر لي لتتأكد أنني خلفها. كنت ممتنة لعدم مرور أحد في ذلك الوقت لزماني لُقبت بالمجنونة.
حتى وصلنا أمام شجرة فروعها كثيرة، طارت لواحد منهم فوجدتها تقف بجوار عش، وعصافير كثيرة حولها، لا أدري إذا كانت أحبت آخر، أو أن تلك هي عائلتها الأصلية وهي وجدتهم.
لكني على كل حال شعرت بالطمأنينة، وعاهدت نفسي أن أعود لهنا لعلّي أراها لحين تغير مكان عشها، أو ربما إذا غيرته سأصادفها ثانيةً... أو أنها هي ستجدني،
وشعرت أنها الآن أسعد، على الأقل لم أجبرها على البقاء معي ولم أحرمها من الوجود مع من تريد فلقد أحسست أن شرائي لهما وموت العصفور كانت أسبابًا لحريتها في النهاية، وأن الاثنين ليس لي.