الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

والله زمان


كلما جاءت ذكرى حرب اكتوبر المجيدة استحضرته وتذكرت كلماته ومددت يدى لامسح دمعاته التى انسابت كحبات لؤلؤ على وجه أبى عصى . اتذكر عندما اجريت اول حوار مع هذا القائد العسكرى والذى ذهبت الى منزله الكائن فى حدائق القبة والملئ بصور له يفتخر بها وبعسكريته وايضا اوسمة معلقة فى دولاب فضى تاريخى التراث..
كان اول اسئلتى عن ذكرياته فى حرب اكتوبر واستقبلها بسعادة توهج لها وجهه الجميل وقال لى قبل ان اقص عليكى ذكرياتى سوف اصف لكى ماقبل الحرب وحالة الانكسار التى اصابتنا نحن المصريين بعد النكسة والتى بددت بعض منها بطولات ابطالنا فى عمق اسرائيل واغراقهم اعتى المدمرات الاسرائيلية الا وهى ايلات. صمت واعاد رأسه الى الوراء وقال لم تكن مرحلة عادية ولم تكن حربا سهلة وايضا كانت فارقة فى تاريخ مصر والمنطقة كلها ، كان الجنود فى انتظار ساعة الصفر الكل كان مستعدا للاستشهاد ومتمنيا النصر لبلده وكانت لدينا رغبة قوية فى الانتقام والثأر لكرامتنا واجبار شمس الحرية والنصر على الشروق مرة اخرى على سيناء، هل تتخيلى مرارة ان تشاهدى اليهود امامك يدنسون ارضك وانتى لاتستطيعى ان تفعلى اكثر من النظر اليهم والدعاء لرب السماء ان يقرب ساعة الانتقام ، هذا كان حالنا منذ النكسة وحتى حرب الانتصار حرب السادس من اكتوبر، كنت قائدا للسرية ٧٧ وكان معى ١٥ جنديا من خير جنود الارض وانطلقنا مع الفرقة المكلفة بعبور خط بارليف واتممنا المهمة بروح العزيمة وبحلاوة الايمان وكنت ارى فى عيون اولادى سعادة مابعدها سعادة كلما تقدمنا واحرزنا النصر وقتلنا بنى صهيون .
ولكن سعادة الانتصار حاصرتها الام الثغرة ولكن اولادى لم يتسرب الى قلبهم ادنى شك بأن يد الله معهم . وفى الحصار الذى دام لايام كان اليهود كالذئاب يتسللون ويقتلون من سريتى واحدا تلو الاخر ولم يتبق غيرى ومحمد العسكرى القروى الذى كان يعد العدة لزواجه فى اول اجازة له ، ونفذ طعامنا وشرابنا فهل تصدقين مااقصه عليكى فنظرت اليه مؤكدة اننى لن اكذبه فى شىء فهو بطل والابطال لايعرفون الكذب، فقال كانت هناك ملائكة تحارب معنا وكان هذا جليا فى كل تحركاتنا حتى ان محمدا عندما نفذ الماء فحر فى الارض ولمسافة صغيرة جدا فانفجرت عينا من المياه شربنا منها وغسلنا ملابسنا وجسدينا وكنا نغطيها حتى لايعرف مكانها الاعداء. ومع احكام اليهود الحصار علينا فى دفرسوار نصحت محمد بأن يتركنى ويتسلل ويحاول العودة او حتى ان يكون اسيرا حتى لايموت معى فى هذه البقعة ولكنه رفض بشدة واطلعنى على خطته والتى اتخذها بعد مراقبته لوحدة اسرائيلية ماكثة على بعد امتار قليلة منا وكان قراره بمباغتة القوة وقتل من فيها ولم يستمع لى وخالفنى ولاول مرة منذ ان انضم لسريتى وقال لى جملة واحدة قبل ان ينطلق قول لامى انى سبقتها للجنة واوصانى بأن اخذ بذلته بدمها واعطيها لامه فى قريته القابعة فى محافظة سوهاج ، وانطلق كالسهم وانا خلفه واذ به يهجم على القائد الاسرائيلى ويطعنه عدة طعنات نافذة ويكمل هجماته على اخر واخر فيقتل اربعة ويقذف لى بسلاح القائد وهو سعيد وانا من دهشتى اردد الله اكبر واحاول ان اجذبه ليعود معى الى الدشمة لنتحصن بها ولكنه يرفض ويقتحم الحصن اليهودى الذى كان مختبئا فيه جندى اسرائيلى اثر الاختفاء وهو يرى اصدقاءه يقتلون على الخروج لانقاذهم ومواجهتنا وبكل جبن صوب رصاصة الى قلب محمد سبقت رصاصتى المصوبة الى رأسه واستشهد محمد وهو ضاحكا ممسكا بيدى ويقول لى: دول طلعوا اجبن خلق الله ياريس ..
نزعت عنه بدلته بعد ان حملته معى الى دشمتنا وحفرت له قبرا ودفنته وقرأت له ماأحفظ من ايات الذكر الحكيم وبعد ان فك الحصار عنا وعدت قصصت لقائدى ماحدث وقلت له اننى اريد ان انفذ وصية محمد فقال لى سننفذها معا واصطحبنى الى قرية الشهيد وقابلتنا امه واخوته وابيه الشيخ الضرير وكأن امه كانت تقرأ الغيب فقالت على الفور محمد مات مش كده؟ ففرت دمعة من عينى لتسقط على خدى فتزغرد امه وتقول لى ولقائدى عريس الجنة ميتبكيش عليه ده بيتزف بالزغاريد فأبلغتها ماقاله لى بأنه سبقها للجنة فضحكت وبكت ، وتركتها بعد ان اعطيتها سترته المعبقة بدماءه... وصمت القائد احمد حتيتة وقبلت رأسه وعدت وانا فخورة بهؤلاء الرجال الذين صنعوا النصر لمصر وللامة العربية كلها والان وبعد مرور مايقرب من نصف قرن على حرب اكتوبر كلما جاء موعد الانتصار اتذكره وادعو له بالرحمة ولمصر بالعزة والانتصار وأردد دوما تحيا مصر بلد الرجال والتاريخ والنصر..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط