الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ناصر خليفة يكتب: جريمة اغتيال المسرح المصري

صدى البلد

تتحفنا مجلة"الهلال" المصرية - كعادتها- في مطلع كل شهر بباقة ووجبة دسمة ورائعة من الموضوعات ذات القيمة الصحفية والثقافية والأدبية، فهي مجلة تهتم في المقام الأول بالشأن الثقافي والحراك الثقافي المصري والعربي والعالمي، تطرح قضايا وهموما فكرية وثقافية من خلال أقلام لكتاب ونقاد وأدباء ومفكرين، يقدمون أفكارا ورؤى واطروحات غاية في الأهمية.

دائما ما أقلب صفحات أعدادها السابقة، فهي ليست من المطبوعات التي ما أن تقرأها تلقي بها جانبا بل تستحق أن تحتفظ بها في مكتبتك، وفي إطار هذا الشغف؛ قرأت مقالة رائعة، تناولت موضوعا يهم كل المهتمين بالواقع الثقافي المصري عموما وبالمسرح خاصة، المقالة للكاتبة الأكاديمية المصرية الدكتورة وفاء كمالو بعنوان "مسرح مصر .. ومسرح الدولة" نشرت في مجلة الهلال عدد يوليو ٢٠١٧.
 
بدأت الكاتبة مقالتها بكلمات تقطر دموعا على الواقع الثقافي في مصر وخاصة المسرح فكتبت تقول : يشهد الواقع الثقافي المصري كارثة فكرية مؤسفة، تأتي كجريمة اغتيال فعلية لفن المسرح، وتشويه رؤاه وتفريغ محتواه، بعد أن صدر الحكم بإعدام المعنى والهدف والدلالة، وتفتحت المسارات أمام الزيف والتغييب والتضليل، والاستهانة المطلقة بعقول الناس .." هي تتحدث عن ما سُمي بــ "مسرح مصر" هذا الإسفاف الجائر الذي يقدمه "الكوميديان" أشرف عبدالباقي - الأب الشرعي لهذا "التيار السخيف"- كما اسمته الكاتبة وهو بالفعل كذلك .. أصبح "مسرح مصر" بفرقته "البهلوانية" هو المتهم الأول في هدم جوهر فن المسرح وتغييب قيم المسرح الحقيقي مما أفسد الذوق العام، بعد أن اخترق عقول الشباب في مصر و العالم العربي ليُسقط في اعماقهم معنى الفن والذوق والجمال ويلغيه تماما..

تواصل الكاتبة هجومها على هذا العمل فتقول : من المؤكد أن اختيار اسم مسرح مصر استفزاز سافر لكل قيم الوعي والإبداع، فالمسرح المصري تاريخ وثقافة وفن وذاكرة وجذور".
 
وتتساءل وأنا معها من السائلين : كيف استطاع أصحاب هذه التجربة المشينة أن يختصروا ويختزلوا ملامح المسرح المصري، في هذا الإسفاف والابتذال والغياب، فعروضهم لا تنتمي للمسرح سوى الاسم المجرد من معناه تماما، بل خروج سافر عن أصول الكوميديا، بكل مذاهبها ومدارسها واتجاهاتها .. وبالرغم من أنهم حققوا شهرة واسعة اخترقت عقول الشباب والكبار في مصر والعالم العربي إلا أنها ستظل ظاهرة في غاية الخطورة على المسرح وعلى الواقع الفني والثقافي كله، فالمسرح أبو الفنون والثقافة.
 
في الحقيقة ما أشارت إليه الكاتبة فيما يتعلق بمسرح مصر وأثره السيئ على المسرح الحقيقي والعروض المسرحية الثقافية ما هو إلا نموذج ومثل مشين لباقي التحرش الواضح بباقي الفنون ولا أبالغ أن قلت تحرشا وتعديا واجحافا بل وطغيانا، فما يُقدم الآن من المنتج الفني والثقافي لا يمت للفن بصلة ولا للثقافة بأي رابط.

فأصبحت السينما تجارة رخيصة تقدم كل ما هو غث ومليء بالاباحية والعري والوقاحة فقط من أجل الكسب المادي، وعمل غسيل أدمغة الشباب حتى تشيع الفوضى وتسود السطحية ويزداد الإنحلال الأخلاقي ،وكما هو الحال في الأغنية و"كليبات" ما يسمى بالمهرجانات والعري والإباحية والالفاظ التي تخدش حياء من هو أقل الناس حياء.

وعلى الرغم من هذه الصورة التي لا تبشر بخير ؛ اتفق مع الكاتبة في قولها وتأكيدها في ختام مقالتها - ومقالتي أنا ايضا- : مؤكد أن الفن الحقيقي يبقى ويواجه ويعيش، أما فقاعات الخلل والتزييف، فهي تسقط من ذاكرة الإبداع، ورغم كل الصخب والضجيج والإقبال الجماهيري على التجارب الهابطة ، فسوف لا تجد لها مكانا في ذاكرة التاريخ الفني والثقافي، فقط ستبقى شرخا مشينا في جدار الفكر والفن.