الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رحلت روحي مرتين


قصيرة هي حياة الطيبين، يرحلون مبكرا دون أثر، أو ترك لحظات للوداع، فقط يرحلون في صمت، تاركين خلفهم قلوبا تمضي على الأرض هونًا.

في حياة من فارقونا، أوقات لا توصف، فهي أشبه بلحظات العائدين من الموت، آلامك وقت الشدة، ابتساماتك عند الفرح، الطموحات التي كنت ترسمها قبل الرحيل، والأمل الذي كنت تكتبه على جبينك، بأن سيكتب لك الله عودة مرة أخرى من المرض.

أكتب لك يا أحمد من الحياة بعد موتك، فلم استطع أن أوفي بوعدي لك أن تعود كالسابق، لم أدرك حين أخبرتك ذلك، أن هذه الوعود ستتبخر، ويقف الطب عاجزا أمام مرضك معلنا استسلامه لشبح صارعته كالمحارب حتى صرعك.

على بعد خطوات منك وقبل رحيلك يقف هذا الشىء ويهمس لك، مرحبا، عزيزي أحمد، أنا سرطان الغدد الليمفاوية، كيف حالك، ماذا تفعل اليوم، أنا لا أستطيع الكلام، ولا يمكنك رؤيتي، ليس لدي أفكار، أنا فقط أنمو بداخلك، وكلما مر الوقت، اقتربت نهايتك، فقط الأمر مجرد مسألة وقت.

لا يهمني أمرك أو من تكون أنا فقط أحاول أن أجد الظرف المناسب ليكون لي موطىء قدم بداخلك، في مرحلة ما ربما تناولت أحد الأطعمة المسرطنة التي غزت بلادكم، أو لديك حمض نووي سييء، أو ربما كان حظك عاثرا، وهذا كل ما كنت أحتاج إليه، فأنت مجرد طبق مختبر، شكرا لك أحمد على استضافتي.

أكتب عنك في مناماتي هواجس لا تذيبها الشهوة، يؤرقني خسراني لك ضمن خسائري الفادحة، أكتب لك كل ليلة وفي صدري أحاديث ولا أجد من أخبره عنها، لأنتحر في صمت، وانتحب في سكون وأعاود الكرة كل مساء.

أكتب لك ولا زالت هواجسك تطاردني في كل حالاتي، فبينما نبحث في عجالة عن أشخاص بقوائم هواتفنا، تقف الأعين متصلبة أمام أسماء من تعثرت أقدامهم ورحلوا عن عالمنا، عندها نتذكر ذكريات لن تعود أبدا، فلا مجال بعد اليوم لانتظار مكالمة تقول أخي "كيف أنت".

يا صديقْ، إن سألوك في القبر لماذا جئت باكرا، قل لهم، إنك كنت مجبرا على المجئ، واسألهم كيف ترون القلوب التي تعلقت بك بعد الرحيل، وكيف أصبحت آبارا مظلمة بعد الفراق..

رحلتْ روحي للمرة الأولى بفقد أبينا يا أخي، ورحلت في المرة الثانية بفقداني لك، يا أحمد، أثقلت قلبي بالرحيل، أوجعته بعد الفراق، تركت بفقدك علامة في القلب لا زالت تؤلم وستظل حتى اللقا.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط