الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. ماري جرجس رمزي تكتب: روعة البدايات

صدى البلد

البدايات...أول كل شئ و مستهله...ولكن ما السر و السحر الكامن فى أغوارها...لغز شيق..يتحدانى بإلحاح مطالبا منى فك شفراته اللعينة والتى احتار فيها كل علماء الآثار واللوغاريتمات...وعاد كل متطوع يجر أذيال الخيبة معلنا إخفاقه واستسلامه أمام شفرة ملعونة.

جميلة هى البدايات ..بل رائعة..خلابة..لها ذلك البريق الدقيق والرحيق الرقيق..تسلب العقول وتسحر الألباب..كاملة هى ومكتملة ككمال الاكتمال..قاسية فى فتنتها ووهجها الوضاء..تنسدل بنعومة كالماء الزلال الرقراق المنحدر بانسياب وتلقائية من فوق شلال بديع محاط بالخضرة النضرة وفي الخلفية مشهد غروب الشمس المهيب يلوح فى الأفق البعيد.

لوحة فنية بديعة تكتمل فيها كل عناصر الجمال والبهجة..لا يشوبها شائبة ..ولا يعكر صفوها شئ...إنها البدايات!!!

طالما آمنت أن لكل شئ فى الحياة بداية..سواء كان فى نطاق إدراكنا ووعينا أو خارجه فمنظومة الكون بما فيه من المحسوسات والمدركات ليست بالقطع قاصرة على ما يمتلكه كل فرد منا فى حيز عقله ومشاعره ووجدانه الذي يمتلكهم والتي تلعب عوامل لا حصر لها فى تشكيلهم...كعامل الوراثة والقدرات العقلية والتربية والتعليم والتحديات و....الخ...إنما منظومة الكون لا تدرك كاملة مكتملة إلا من قبل خالقها الله عز وجل...هو بدأ خلقها ويدرك موعد قيام الساعة والنهاية.

أدرك أن لكل شئ بداية وطالما له بداية فحتما له نهاية...سواء كان أمرا ملموسا أو نفسيا..فعلي سبيل الملموس.. تمسك تفاحة شهية تتمتع بملمسها وتستمتع بحلاوة مذاقها..دقائق وستنتهي.وعلي سبيل النفسى.. حزن على فقدان شئ ما ورويدا رويدا تهدأ ويهدأ الحزن حتي ينتهي.

قس علي ذلك كل شئ فى الحياة...عظم أو صغر...لا يخرج عن تلك القاعدة الإلهية الأزلية ، فما له بداية.. له نهاية...ألهم إلا أمرا واحدا ..حكم عليه بالأزل والأبد سأذكره في ختام مقالي لهدف في نفسي...

أذن فقد اتفقنا ان الحزن، الفرح، التعب، الراحة، الصحة، المرض، الفوز، الإخفاق، النجاح، الفشل، الغنى، الفقر.....كل شئ.. كل شئ له بداية ونهاية...

لكن العجب كل العجب ...ليس فى الأشياء القدرية التى لا نملك فيها شيئا ولا نقدر أن نمنعها أونغيرها...إنما فيما نسعى نحن إليه ونبتغيه...نذهب إليه بإرادتنا الحرة وبكامل قوانا العقلية والعاطفية والجسدية...العجب فى روعة بدايات رغباتنا...وما يتبعها!!

نريد شيئا ..نتمناه..نتعلق به..نشغف ونتيم به حد العشق..فنهم بكامل إرادتنا الواعية..نطوي الصحاري ونتسلق المرتفعات..نتحمل معاناة الأسفار والترحال..نضحي بكل غال ونفيس...لنبلغ مبتغانا..عشقنا ..هوانا...فى بدايات.. هى أروع البدايات

نتزين بكل ما في مقدورنا بل أكثر..نتسربل بأفخم الثياب ونتحلي بالذهب والماس..نتطيب بأطيب العطور وأفخرها...وكأننا أمير فى ليلة عرسه المنشودة وزفافه إلي جميلة الجميلات..أميرته التي اشتهاها قلبه...وها هى بين يديه.وينقضي الحفل الأسطوري...وتنقضي الليلة...ويأتي الصباح..وصباح فصباح ...وتمر الأيام..والشهور..ورويدا رويدا يتبدل الثوب الفخيم بأبلى الثياب..وتضيع نسمات العطر وسط العواصف المحملة بالأتربة والغبار..ويستبدل الحلي الفاخر بصفيح قارب علي الصدأ والتلف...نسقط في حالة تدريجية من الفتور...تقودنا إلي مرض خبيث... هو مرض اعتياد الأشياء...

أما كانت تلك السيارة هى مشتهاك...أما مكثت سنينا تحلم بها..وشهورا تدخر لها...حتي اقتنيتها...ثم زهدتها..إنها لازالت كما هي برونقها..بروعتها..ما طالها خدش أو عطب وما أصابها قبح...أم أن القبح قد أصابك أنت فما عدت ترضى..

أما كان هذا العمل حلما فى درب خيالك..طرقت كل الأبواب ..وربت علي كل الأيادي لتحصل عليه..ما بالك لا تري فيه غير التعب والضجر والسأم بعد أن سقطت صريع مرض اعتياد الأشياء..

ألا تستيقظ صباحا فتفتح عيناك تري الكون كله حولك..وغيرك فاقد لنعمة البصر وشاكر...ثم تنهض واقفا على قدميك يحملانك ويسيران بك إلي جهتك المقصودة أينما كانت..وغيرك عاجز لا يتحرك وشاكر...وتراك تلعن الأيام وتشكيها وتشتكي الوهن والضعف والعلة وما العلة إلا فى مرض اعتياد النعم والأشياء..وتجد نفسك وإن فقدت نعمة واحدة منها - معاذ الله - لتمنيت زوال كنوز العالم كله إن كنت تملكها مقابل أن تستعيدها..

يعافنا الله من مرض اعتياد النعم والأشياء...لتظل روعة البدايات دائمة فى حياتنا مستمرة طيلة استمرار النعم والمنح والمبتغيات التي سعينا لها..حتي تأتي نهايتها وقتما يشاء المولي...وإن كنت قد ذكرت لكم أحبائى فى البداية أننى أؤمن أن لكل شئ ..كل شئ بداية ونهاية ...إلا شيئا واحدا...ألا وهو...الحب الصادق الحقيقي

هو المستثنى الوحيد من هذا القانون الإلهي...لأن الله محبة...والله تعالي أزلي أبدي...وأما الحب الصادق الحقيقى...وإن كانت له بدايات فليس له نهايات...وكل لحظة فيه-إلى الأبد-هي روعة البدايات