خاطرة الجمعة

إنني أؤكد لحضراتكم أن الباحث المدقق في النموذج النبوي القدوة في مرحلتيه المكية والمدنية حتما سيخرج بنتائج مذهلة في هذا الشأن؛ حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحسس خطاه جيدا ويمهد لكل إجراء قبل أن يقدم عليه، ولا ينتقل من مرحلة إلى التي تليها قبل أن يُثبِّت أركان السابقة.

ومن أعظم الأمثلة العملية التي رسخت لهذا المفهوم تلك الإجراءات المتصلة برحلة الهجرة من لحظة الإعداد لها مرورا بمراحلها المختلفة من اختيار الرفيق وترتيب وسيلة الانتقال والتعاون مع دليل متقن واختيار طريق غير تقليدي..... وانتهاء بتأسيس دولة الإسلام الأولى بالمدينة المنورة على ساكنيها أفضل الصلاة والسلام ثم تثبيت دعائمها وعقد المعاهدات واتفاقيات التعاون والدفاع المشترك إلى آخره.

قد يقول البعض إن هذا توفيق مخصوص من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم.

والجواب عن هذا أن الله تعالى هيأ الأسباب لعباده بعدله ودعاهم لعبادته من غير تفرقة ولا تفاضل اللهم إلا بقدر ما يتحقق به الإنسان من الامتثال للتوجيه الرباني في الأخذ بالأسباب والتقوى الحقيقية التي تعصم صاحبها من مهادنة الشيطان.
لقد وجدت في حياتنا اليومية صورا ومظاهر كثيرة للفهلوة وتغليب طريقة (اللي تغلب به العب به، ومشي حالك، .....) وهذا يعكس حقيقة مؤلمة وهي أن الصلة بيننا في مدنيتنا المزعومة وبين تراثنا الخالد وسنة نبينا الراقية تكاد تتلاشى بسبب التسرع والتماهي مع المظاهر الخادعة.
ليكن هذا ناقوس الخطر الذي يقرع رؤوسنا جميعا فيذكرنا بجذورنا الإيمانية والفكرية لنتشبث بها ونحاول بكل وسيلة ممكنة إحياء أرواحنا وقلوبنا وإنقاذها من هذه الغارة الوافدة قبل فوات الأوان.
إننا في ظل هذه الأعاصير الجارفة التي تُجهز على كل بذرة صالحة فلا تترك لها الفرصة المناسبة لتنمو في هدوء وتتشبع بنور الشمس لتخرج للناس ثمرة طيبة لابد وأن يبذل كل منا عالمين ومتعلمين وحاكمين ومحكومين جهده ويحاول بكل ما أوتي من قوة أن يكون معول حق ومقول صدق، وأن يحرث في أرض المعرفة والحضارة والبناء والإنسانية ويساعد كل كل ما يتوسم فيه مسحة من صلاح أو شعاعا من أمل.