الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هند العربي تكتب: عندما يصحو السلطان!!

صدى البلد

يحكى ان هناك في شبه الجزيرة العربية وتحديدًا في غرب آسيا، دولة عدد سكانها لا يتعدي 5 ملايين نسمة، ومساحتها حوالي 309,500 كيلو متر مربع، تتمتع بوضع سياسي واقتصادي مستقر من بين أكبر اقتصادات العالم، تعيش في منأى عن الجميع "في المحيط الهادئ" بعيدًا عن اَي صراعات أو ثورات أو تغيرات تحدث، فتنقلب الدنيا رأسًا علي عقب ويصيب الجميع التغيير وهي ثابتة في مكانها لا تتدخل حتي من قريب او بعيد، وسلطانها صاحب أكبر فترة تولي حكم دولة، غارق في احلامه، غالق جميع أبوابه سنوات في رحلة طويلة حتي غفل عن وجوده العديد، ألا هي سلطنة عمان وهي اسم علي مسمي، سلطنة وهي سلطنة لا يهمها اَي صراعات بالمنطقة، وبداية منذ قيام ثورات الربيع العربي وحتي الآن ولم نسمع "حس" لعمان والسلطان قابوس بن سعيد، وقد شاء القدر ان يستيقظ ويصحو من غفلته ليحدث هو بنفسه حراكًا يتحدث عنه الجميع، فما إن لبث إلا واستقبل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو هو وزوجته في زيارة مفاجئة وبالفعل كانت مفاجئة للجميع في لقاء هو الأول من نوعه منذ عام 1996 من أجل مبادرات السلام كما أكدت عمان!

بدايةً، لا توجد علاقات دبلوماسية رسميًا بين إسرائيل وعمان معلنة، فالعلاقة فيما بينهما تبدأ منذ عام 1994 عندما قام إسحاق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي وقتها بزيارة الي عمان، في العاصمة مسقط وقد استقبله السلطان قابوس من اجل مناقشة قضايا تبادل المياه، وبعد اغتيال رابين استضاف شمعون بيريز رئيس الوزراء خلف رابين، وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي في القدس، وفي عام 1996 حدث تعاون مشترك بين إسرائيل والسلطنة حول الإفتتاح المتبادل لمكاتب التمثيل التجاري وجمدت العلاقات فيما بعد، وفِي 2008 وخلال زيارة الي قطر التقي وزيرا الخارجية العماني والإسرائيلي بعضهما البعض وتعد هذه المقابلة الأخيرة، إلى ان قام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بزيارة السلطنة مؤخرا في أول لقاء رسمي يعقد في هذا المستوى منذ عام 1996، ليفاجئنا وزير خارجية عمان يوسف بن علوي خلال مؤتمر بالأمس السبت، " ان الوقت قد حان للإعتراف بوجود إسرائيل" وتفك الشفرة بعدما أعلنها صريحة وقال للمرة الأولي ان : إسرائيل دولة في المنطقة وجميعنا يعرف ذلك"!!!! ويأتي بعده الوزير البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، ليثني علي كلمات وزير خارجية السلطنة في نفس المؤتمر ويستشهد بحكمة السلطان قابوس لإيجاد حل للمسألة وإحلال السلام"...!!! مما يبعث ومن غير أدني شك حقيقة مفادها " الجميع يتنافس من أجل التقرب الي إسرائيل"!!

وفِي جولة لمواقف عمان، فلم تدعم السلطنة الإحتلال الإسرائيلي في المواقف الدولية وبخاصة نقل السفارة الأمريكية إلي القدس بدلًا من تل أبيب، وحدث ان رفضت عمان مشاركة إسرائيل في افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب في عام 1997م وعندها برر نائب الوزراء لشؤون مجلس الوزراء الذي افتتح المعرض انه من الصعب ان تشارك إسرائيل في معرض يشارك فيه جميع الدول العربية وقت أن اجتازت قضية الشرق الأوسط مرحلة صعبة ولا حلول، وقد قام السلطان قابوس من قبل بإصدار مرسوم في عام 1972 بشأن مقاطعة الإحتلال، وأكد أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "لا قيمة له"، ودعا المجتمع الدولي إلي ضرورة الإلتزام بأحكام القانون الدولي وعدم اتخاذ أي قرارات تتعارض مع قرار الشرعية الدولية، وكانت وقتها عمان أول دولة عربية تصدر مثل هذه القوانين وأوضحت أن قرار مجلس الأمن رقم "242” يؤكد حق فلسطين ويثبت ان الاراضي التي احتلتها إسرائيل بعد عام 1967 أراضِ محتلة"، وهو نفس الأمر الذي يجعلنا نتعجب كثيرًا من الزيارة الأخيرة وإعتراف عمان بأحقية وجود دولة إسرائيل!! وتجعلني أتساءل لماذا إذن بعض الدول العربية ألقت باللوم وألصقوا التهم بمصر أثناء حكم الراحل محمد أنور السادات وإتفاقية "كامب ديفيد" التي أبرمها مع إسرائيل بعد حرب ٦ أكتوبر من أجل السلام وانهاء حالة الحرب!؟ في حين ان الكثير منهم يتسابق من أجل التقرب الي إسرائيل..!! والأمر يبدو ان هناك مكاسب سياسية واستراتيجة في الطريق .

وفِي نظرة تحليلية قد تصيب وربما تخيب ولكن كلًا منا يحاول ان يجتهد، فزيارة نتنياهو الي سلطنة عمان بها عدد من الملاحظات وهي ان معظم الفريق الذي أجرى الزيارة من القيادات الأمنية الإسرائيلية وهم من الدبلوماسية الخارجية وعلي رأسهم رئيس المخابرات والأمن القومي، إذا ان الأمر يتعلق بترتيبات عسكرية بين إسرائيل وعمان، اَي من الممكن جدا ان يكون هناك تعاون بينهما خلال الفترة القادمة لأن اسرائيل أصبحت وحيدة في المنطقة ولا أحد يعقد معها دبلوماسية في العلاقات الدولية وهي زيارة مهمة وفي توقيت صعب، بعد ان كرهت جميع الدول التعامل مع إسرائيل بسبب فرض قانون القومية الإسرائيلي، ثانيًا: وما يثير الإنتباه علي خلفية هذه الزيارة، انها تحمل بعض الألغاز علي المستوى الاستراتيجي ألا وهي: لماذا فكر نتنياهو ان يزور سلطنة عمان في الوقت الحالي وفِي الوقت نفسه كانت أمامه فرص كثيرة مع دول أجنبية للتعاون معها، والاجابة في ثالثًا: حيث ان إسرائيل تريد تأمين التجارة ومن ورائها أمريكا من خلال الخليج العربي وتأتي قوتها من خلال دعم لهذه العلاقة، وربط المصالح الإسرائيلية يحمي العلاقات بينهما والمصالح المشتركة، فالتعاون بين عمان وإسرائيل له تبيعات وهي التواصل الإستراتيجي والأمني، وما سيحدث هو تبادل تجاري وأمني ودولي فيما بينهما، وهو ما يؤكد ان الأيام القادمة ستحمل تعاونا متبادلا علي كافة الملفات السياسية والاقتصادية، ومن المعروف أيضًا ان سلطنة عمان لها فكر دبلوماسي مختلف عن السياق العام الخليجي فهي تمتلك سياسة خارجية منفصلة في كوّن انها جسم عربي لكن بسياسة أخري تبعد عن السياسة العامة العربية، نجدها بعيدة وغير مرتبطة بالسياسة العربية الخليجية، اي ان الزيارة الأخيرة كانت بمثابة "هدية " لنتنياهو ستفتح له أبواب مِن خلال التعاون المشترك مع عمان، وهو ما يبعث بالقلق علي العلاقات العربية الدولية، ولعل خير ما تذكرته تحليل لخبير فلسطيني يدعي أيمن يوسف، عندما قال: " ان انفتاح إسرائيل علي اَي دولة عربية لن يحمل مردودًا إيجابيًا علي عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل من جهة، وبين الفلسطينيين والعرب من جهة أخرى، بل سيمثل ابتزازًا إسرائيليًا لهذه الدول"، وهو ما يدعم تحليلنا للموقف.

وفِي رأيي المتواضع؛ ان السلطان قابوس لم يكن في غفلة طيلة هذه السنوات فحسب، بل استطاع أن يحقق لشعبه أكثر مما حققه جيرانه في المنطقة بالثورات والحروب، فنحن من في غفلة لم نصحُ منها بعد وليس هو !! وفي جعبته العديد من الأسرار الاخري التي ستتكشف فيما بعد.