الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هند العربي تكتب: وتعددت الأسماء.. والوظيفة "محجوب عبدالدايم"!

صدى البلد

حملته الأحلام للترحال من أرجاء الصعيد إلي القاهرة الكبري، ليتعرف على ابن قريته "سالم الإخشيدي" الذي يبلغه بحاجته الي وظيفة، فيعرض عليه سالم وظيفة مقابل أن يتزوج من إحسان "سعاد حسني" عشيقة قاسم بك "أحمد مظهر" الذي كان يمثل دورا مسئول كبيرا في الدولة، شرط أن يزورها قاسم بك مرة كل أسبوع، ورغم تفوق محجوب الدراسي الذي يمكنه في حصوله علي مؤهل عالٍ إلا إنه كان امرًا صعب المنال حاله حال الكثيرين فسلك الطريق الأسهل، وحصد الدراجات الوظيفية وأعتلي المناصب، ويبدو ان منذ البداية وقد تفهم ذلك المحجوب السبل التي تسهل عمليته والمتمثلة في "الوساطة" لتحقيق آماله وطموحاته الوظيفية.

فعندما اتذكر شخصية محجوب عبدالدايم بالتحديد في فيلم القاهرة ٣٠ رغم تواجد مجموعة بارعة لا مثيل لها من الفنانين غير الفنان حمدي أحمد امثال السندريلا "سعاد حسني" وأحمد مظهر وعبد المنعم إبراهيم، في العمل الذي أخرجه صلاح أبو سيف عام 1966، أري إنها شخصية تحدثت عن واقع لازال نعيشه حتي الآن، ناهيك عن حالته التي لخصت حال العديد من المصريين الذي تعاندهم الظروف في الحصول علي تعليم سليم ووظيفة تليق بمؤهلات البعض وتتعادل مع جهد السنين لتحطم احلامهم فيضطر البعض منهم ان يعيش علي يسار المجتمع ليصل الي مبتغاه ولو بطرق غير شريفة علي حساب السمعة والشرف والدين والكرامة والحياء.

من وجهة نظري البسيطة أن الفقر والحوجة قادران علي قهر الرجال وكسر عزائمهم مهما تعالت وتعاظمت، فنجد الكثير ممن يتسلق وراء المال أو المناصب بشتي السبل مهما كلفه الأمر من تنازلات، وكام من محجوب عبدالدايم "ذو القرنين" في مجتمعنا وبعض الكيانات ووسط عالم السياسة والسياسيين، وحقل الإعلام والفاسدين ومروجي الإشاعات من أجل أغراض معينة، وفِي الهيئات والوزارات وكل مجال تقريبًا وفي معظم الوجوه ممن باع المروءة والشرف والضمير من أجل المال والسلطة ومأرب أخري، محجوب عبدالدايم صاحب لفظ "طظ" ذلك الشخص الذي برع في تصويره المبدع صلاح أبو سيف، عندما وجه الكاميرا إلي وجْهَه وخلفه الحائط وعليها رأس خروف بقرنين كبيرين، لتقترب الكاميرا أكثر ويغيب رأس الخروف أو التيس، ليظهر لنا محجوب بدلًا منه وكأنه هو الذي يحمل القرنين، في إشارة منه أراد توصيلها تحمل فكرة شعبية لدي المصريين تعبر عن معني "الدياثة"!! 

وفكرة الوصولية الذي لخصها صلاح أبو سيف في فيلم ترجع احداثه إلي حقبة ثلاثينيات القرن الماضي ووقت تأليفها يعود الي الأربعينات، وان كانت المشاهد تعبر وقتها عن الفترة الملكية الذي عاشتها مصر، واحتفت الرواية بالحقبة الناصرية الذي تمكنت من الإنتصار علي الحكم الملكي بمصر، إلا ان شخصية ذو القرنين تشمل كل عصر وكل وقت طالما هناك الموظف المرتشي والمسؤول الفاسد والاعلامي الذي يبعد عن المهنية والمصداقية ليحقق أهداف أخري، والسياسي الذي يلعب بعقول البعض باحثًا عن مصالحه الشخصية التي قد تضطره إلي هدم مستقبل أمة، وحتي الطبيب الذي يتخطي شرف مهنيته، والمحامي والمعلم وغيرهم كثيرًا في كل مكان، في وسط إندثار الأخلاق والقيم والدين في نفوس البشرية، ليتصدر المشهد أصحاب النفوس المريضة فقط الذي ينفر من وجوهم الشرفاء واصحاب القيم، حتي شخصية محجوب عبدالدايم ظلت تطارد الفنان الراحل حمدي أحمد في حياته الخاصة لدرجة ان بعض أهله في الصعيد وعلي ما اعتقد "سوهاج" بالتحديد، سئموا من تجسيده للشخصية علي الرغم من كونه تمثيل وأقاموا برشق دار السينما بالحجارة تعبيرًا عن رفضهم للدور.

وفيلم القاهرة 30، المقتبس من رواية الأديب العظيم نجيب محفوظ، الذي استطاع من خلالها ان يشرح لنا تفشي العلاقات الطبقية في كل ربوع المحروسة ويكشف معاناة البسطاء الذي فرضت عليهم الطرق البديلة الغير مشروعة سبل البحث عن الوساطة والسير في دروب المحسوبية، وكأنهم يصدرون لنا فكرة "الغاية تبرر الوسيلة"!!! ولم تقتصر الفكرة علي صاحب لفظ "طظ" وحسب، بل كان هناك شخصية أحمد بدير الذي جسد دوره الفنان "عبدالمنعم إبراهيم" الذي كان يري ان الشهرة هي الحل الأمثل والآمنة للخروج من دائرة الفقر، وفى الواقع نفسه الذي توجهت فيه إحسان الي نفس طريق محجوب لتسلكه وباعت حب علي طه حبيبها وتخلت عنه وعن تلك المباديء الذي كان يسعي جاهدًا ان يغرسها في شخصيتها، إلا إنها اختارت الطريق الأسهل لترتمي في أحضان وكيل الوزارة صاحب السمو والرفعة، حالها حال البعض الذي إضطرته العوزة والحوجة الي السير في طريق غير شريف.

وكأن مشاهد فيلم القاهرة ٣٠ جسدت الصراع الحالي وكانت بمثابة رسالة في هذا الوقت لأشخاص بعينهم في المجتمع أمثال بعض المسؤولين الذين يمثلون جزء من الفساد في الدولة، وقيادات الإخوان الوصولية وبعض النواب الحاليين وما أكثرهم، حتي رب الأسرة الذي يتبع أفعال محرمة من أجل المال والغني فلا يهمه إلا ان يرضى نفسه فقط، كل هؤلاء من الشخصيات الوصولية المنتشرة في المجتمع منذ التسعينات وحتي الآن بوسعهم ان يفعلوا كل شيئ من أجل المال والمناصب السياسية وليس لديهم مبدأ في الحياة ومستعدين للتضحية بكل شيء حتي ولو علي حساب كرامتهم، ولكن في آخر المطاف تكون نهايتهم حتمية، وقد تجدها نهاية واحدة للجميع كالخروج بفضيحة امام الرأي العام فتنكشف حقيقتهم، نهاية تتوقف علي بيئة العمل والمجتمع المحيط والثقافة السائدة ومدي تقبل الآخرين والقيادات التي تترأس ذلك الوصولي قد تساعدهم أو ترفض امثالهم.

وعلي أي حال.... الشخص الوصولي الإنتهازي هو شخص مضاد للمجتمع ولديه الذاتية واللامبالاة وعدم الإهتمام بطبع تصرفاته وليس لديه مشاعر أو إحاسيس، ما يهمه فقط هو إشباع رغباته والوصول الي السلطة والمناصب بدون النظر الي تأثير ذلك علي المجتمع والآخرين الذين يحيطون به، فلا يفرق معه ان يقتل أو يسرق أو يعمل ما هو غير شريف والذي يهمه هو الوصول الي الذي يريده، فيعتقد بأنه كلما فعل ما هو غير صالح كلما اعتلي أكبر المناصب وهذه العينات من الأشخاص كثيرة جدًا في المجتمع وأحيانًا يصلوا الي أهم المراكز بالفعل، فتعددت الأسماء
والوظيفة "محجوب عبدالدايم"!!!

وحتي أكون منصفة في مقالي هذا، فكما يوجد في مجتمعنا من هم علي شاكلة "ذو القرنين" ذات الشخصية الذي باتت فكرة مرسخة في عقول الكثيرين، وهناك من هم أمثال على طه والذي جسد دوره "عبد العزيز ميكوي"، ذلك الشاب المثالى الشريف الذي يؤمن بالمبادئ والقيم وتمسك بمعتقدات ثابتة، حارب الفساد وسعي وراء المصلحة العامة للبلاد الذي جار عليها الإنحطاط الأخلاقي ذاك الوقت، ولم يتواري ويتهاون في تحقيق ذلك ولن يتسلق من أجل مصالح شخصية.