الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: مهن مبتدعة

صدى البلد

"استشاري علاقات اجتماعية ومشاكل زوجية" لاحت لي تلك الجملة في منتصف الشاشة عندما كنت أشاهد برنامجا اجتماعيا، شعرت بالغرابة عندما قرأت تلك الوظيفة العجيبة التى يمثلها ذاك الشخص الماثل أمامي على شاشة التليفزيون، قررت أن أنصرف عن تلك الجملة، وأن أصب جل اهتمامي على محتوى البرنامج، وأحاول أن أستفيد من تلك القضية التى يناقشها البرنامج دون أن ألتفت مرة أخرى لذات الشريط الأصفر الذي يحمل اسمه ووظيفته المفتعلة.

وبعد مرور أكثر من نصف الوقت، شرع البرنامج في استقبال الاتصالات الهاتفية المنبعثة من جمهور البرنامج، هذه المرة لم أشعر بالغرابة بقدر ما باغتتنى الصدمة الممزوجة بالدهشة، عندما تناهى إلى مسامعي صوت سيدة تقول: "ممكن أكلم الدكتور"، دكتووووووور!!!!! ظلت الكلمة تنهش فكري، وتربعت على عقلي، وباتت الأسئلة تتوالى على نوافذ رأسي، ومنها: متى ألتحق بكلية الطب، وأي قسم الذي ينتمى إليه العلاقات الاجتماعية والمشاكل الزوجية من أقسام الطب؟! وما المعايير التى تأسست عليها ثقة السيدة للأخذ بنصيحته والاعتماد على مشورته؟!
كيف يمكن التأكد من مصداقية كلامه من عدمه؟! ما الأسس التى اتبعها البرنامج ليكون هو الشخص المختار دون غيره؟! من الجهة التى يمتثل أمامها حين يقترف جرما أو حال اكتشاف عدم صحة كلامه؟!

فالدكتور النفسي غير مصرح له بحل المشكلات الاجتماعية، إنما تظل مهمته علاج الاضطرابات السلوكية والتركيز على الأمراض النفسية والعصبية، وعندما يظهر على الشاشات الفضائية، فإنه لا يسدي إلى المريض بروشتة على الهواء، إنما يحثه على سرعة التوجه إلى العيادة حتى يخضع المريض للكشف المباشر إذا استدعى الأمر ذلك؟!

ويبقى السؤال الأخير: من الذي أسند تلك المهمة لهؤلاء الأشخاص لاسيما إذا كان أهل الطب غير مؤهلين للرد على المشكلات الزوجية؟!

لم يقتصر الأمر على الظهور في القنوات الفضائية، بل وصل الأمر إلى مواقع السوشيال ميديا، فأصبح بإمكان أي شخص أن ينشئ موقعا إلكترونيا يحمل تلك الوظيفة المفتعلة مسبوقة باسم الدكتور "فلان"، وفي النهاية يظل البرنامج التليفزيونى خاضعا لآداب العامة لأنه يدخل كل بيت من بيوتنا المصرية، على عكس الإنترنت الذي لا يخضع لأي قوانين ولا يلتزم بأي قواعد، فالباب دائما مفتوح على مصراعيه، فقد يزداد الأمر سوءًا، ويتحول الموضوع من مشكلة اجتماعية إلى فضفضة تفشي أسرار البيوت، والبوح بخصوصيات قد تفضي في النهاية إلى الابتزاز الذي يؤدي إلى الزج بنا في عمليات نصب واحتيال، وقد يؤدي إلى ما هو أخطر من ذلك ألا وهو: صيد السيدات والوقوع بهن في شبكات مشبوهة، لاسيما أن المرأة دائمًا تولي اهتمامها إلى تلك الصفحات، فهي تعتبر أكثر الفئات تفاعلا مع مثل هذه الأمور دون غيرها من الفئات.

القانون وحده القادر أن يضرب بيد من حديد للتخلص من كل هذا العبث وتلك العشوائية، فكل من يمارس تلك المهنة المزيفة عليه أن يقع تحت طائلة القانون، فطالما لا ينتمون إلى نقابة ولا يحملون ما يؤهلهم للعمل بتلك الوظيفة بطريقة شرعية، فلابد من قانون يجعلهم يخضعون للمساءلة القانونية حتى يردعهم ويعنفهم عما يبدر منهم، ومن ثم يدلفون إلى جحورهم بلا رجعة، فإما التوقف عن التلاعب بمشكلات الناس أو العقاب بالقانون حفاظًا على بيوتنا المصرية.