الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد سمير يكتب: رسائل القاع‎

صدى البلد

من الواضح أن الإنسان دائما يميل إلى السلطة بشكل أو بآخر.

 هذا مفهوم جدا كونه هو الكائن الأعقل بين المخلوقات ولا شك أن ميول الإنسان الدائمة لاكتشاف ما حوله ومحاولة تسخيره هي إشارة للحصول علي الإكتفاء ومن ثم الكمال المنشود ولا شك أن تركيبة مثل الإنسان من الصعب عليها أن تتعايش مع النقص الذي هو جزء من تكوينه ، إنتبهت مجتمعات العالم الأول لهذه النقطة فأدركت من خلال الفنون والعلوم حقيقة نفسها وحقيقة نقصها فتقبلته وعملت علي ايجاد سبيل لاستيعاب هذا النقص فدعمت دور الإجتماع
وفقهت ان العمل الجماعي تتقلص فيه نقائص الإنسان وقد جاءت الشرائع الدينية منذ زمن بعيد بشعائر وطقوس تضطر الناس للإجتماع والتعاون في اداء الصلاة والحج وغيرها لتؤكد علي هذا المعني وتقويه ، انتبهت هذه المجتمعات ليقظة ضميرها الذي عاني من ظلام العصور الوسطي ، لكن المجتمعات الشرقية المعاصرة كانت علي جانب آخر من الضمير 
فهي قدست الفردية علي طريقة ( عاش الملك ، مات الملك ) ومن الملك الي الوزير ومنه الي المسؤول ومنه الي الموظف ومنه الي البيت والابناء والزوجة كل يمارس فرديته بطريقته الخاصة وفي حدود صلاحياته ، فتحلل النسيج الإجتماعي وأفقد قدرته علي الرؤية ومن ثم قدرته علي الرقابة والتقويم
إذن لماذا اختلفنا عن الغرب رغم اننا نتشارك من حيث النوع ؟ 
ذلك لأن إنسان الشرق لم يفهم نقصه ولم يعطي الفنون والعلوم فرصة عادلة و جريئة لتكشف له عن حقيقته ، فإختبأ خلف سور العادات والتقاليد واحتقر نقصه الذى هو جزء من تكوينه و الإنسان ان لم يتفهم نقصه أفرط في السيادة باعتبارها تعويض مُجزى لهذا النقص خصوصا اذا اقترن النقص الطبيعي لدى الانسان بنقص اضافي تسببت فيه البيئة الحاضنة فإن الإنزواء والمظلومية والإنزلاقات الحادة تجعل الإنسان أكثر شراسة أمام فرض سيادته وتعزيز ذاته 
لهذا لم ينتبه إنسان الشرق لقيمة المجتمع فأهمل علوم الأدب والتاريخ.

والفلسفة وعلم النفس والإجتماع و الحقوق واعتبرها شئ من الثرثرة وبالتالي كانت كل محاولاته تصب في إبقاء فكرة السيادة التي تضمن له الإستقرار والبقاء وتعويض النقص الملازم له ، فأعطي للسيادة صبغة وطنية تعتبر كل من يخالفه الرأي خائن وعميل وجزء من مؤامرة تهدف إلي هدمه ثم أعطاها صبغة دينية وهي الأخطر دائما معتبرا المخالف له في الرأي مارق وزنديق وغالبا كافر وجب قتله وأنتج فقها يضمن له البقاء كعدم جواز الخروج علي الحاكم.

حقا إن الإنسان قادر علي ان يخدع نفسه بطريقة مبهرة ، هذا الإنسان الذي حاول إثبات نفسه بطريقة غير واعية قادرة علي التحرك والانتقال بسلاسة تامة من تابوه الوطن إلي تابوه الدين والمبادئ وغيرها من التابوهات التي من شأنها أن تعزز تسلط الإنسان علي الأخرين وتوهمه بقيمة وجوده ، هو في سبيل تلك التابوهات التي يمرر منها مرضه مستعد لفعل اى شئ وكل شئ مهما بلغ قبحه ، هو لا يقوى علي مصادقة نفسه خوفا من أن يفقد إتزانه ويحول كل ماضية من صولات وجولات إلي رماد يبعثره قليل من الهواء ، لحظات الصدق التي يتمتم بها رجال الدين والوطن ليست سهلة ومرنة وجاهزة للإستدعاء كما يروج العابثين بأذنك ، صدقني يا عزيزى فالإنسان وغد كبير حين يطوف حول نفسه ... فقط في هذه اللحظة تلتبس مفاهيمه و يظن انه من الواجب عليه رعاية الرب في ملكوته ليجغله فرحا منتشيا ( حاشاه).

جاء هذا حين أوهم نفسه بوجود المثالية ووكل نفسه بحمايتها ووضعها في قمم عالية بعيدة عنه يترحم عليها كشئ مقدس يبرر بها نقصه واحتقاره لنفسه وهنا نجد أن إنسان الشرق قد علق في نقطة عميقة داخله وهو يبدأ منهجه المعاصر ، فهو لم يفهم حقيقة ما هو عليه و لم يعي أن التناقض من طبائع الأشياء وأن العقل وظيفته حل هذا التناقض ، وقف إنسان الشرق أمام مرآة الحاضر فلم يدرك نفسه ولم يري الآخرين.