الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قصف غزة.. يارا تحكي لحظات مرارة الحرب والاغتراب: نعيش حياة متوترة.. وأهلنا على كف عفريت

حرب غزة 2014 - أرشيفية
حرب غزة 2014 - أرشيفية

لم تكن فكرة التشبث بالبقاء في قطاع غزة اختيارًا صعبًا على يارا العفيفي، فالأوضاع التي يعيشها القطاع الذي يتعرض لعمليات قصف متواصلة من قبل طيران الاحتلال الإسرائيلي بدأت ليل السبت الماضي، والظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها سكان القطاع، دفعت الفتاة الفلسطينية إلى ترك غزة والقدوم إلى مصر لدراسة الماجستير والتخلص من"عبء الوطن" وأوجاع القطاع التي عاشتها لمدة 23 عامًا داخله.

تعيش يارا في مصر منذ عام 2016 رفقة شقيقتها الكبرى، تنظر بعين يملؤها الخوف إلى ما حدث في القطاع خلال الأيام الماضية، المنازل التي دمرها القصف، والشهداء الذين زُفوا إلى مثواهم الأخير، والحياة الطارئة التي يعيشها والدها وأمها وشقيقتها الصغرى بسبب الحرب في تلك الأيام أرق مضجعها " ما في نوم تمامًا لا أنا ولا أصدقائي المغتربين، كلنا بشكل دائم ومستمر نظل سهرانين بسبب الخوف أكثر من أهلنا في قطاع غزة". تقول يارا.

في طفولتها عاشت يارا ثلاثة حروب، الأولى حرب عام 2008 والثانية 2012 والثالثة 2014، إضافة إلى الاقتتال الداخلي الذي كان بين حركتي حماس وفتح عام 2006، لأول مرة تعيش الفتاة الفلسطينية حالة حرب وهي خارج القطاع بعيدة عن أهلها وأصدقائها " شعوري في قمة التعقيد والسوء.. التوتر بداخلنا لم يكن ليتوقف، أعصابنا أكثر استنزافًا من أهلنا في غزة، فأهلنا في القطاع يعيشون على كف عفريت، وهذا يمكن لأن مخيلتنا تصور لنا أكثر مما يكون على أرض الواقع". تضيف يار لصدى البلد.

عند وقوع القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في الأيام الماضية، تابعت يارا بصحبة أصدقائها أخبار القطاع عبر شاشات التلفاز الذي لم يتوقف تردد صداها داخل بيتها لحظة واحدة، تتجمع الفتيات صديقات يارا ينظرن بترقب إلى الشاشات، وتدور في أذهانهن تساؤلات :" هل ستعلن هدنة؟ هل سيتم الإعلان عن اسم شهيد؟ ما حال الأهل والأصدقاء".

عاشت يارا الأيام التي تعرض لها قطاع غزة للقصف في خوف وهلع شديدين، اتصالاتها بالأهل لا تنقطع، وسؤالها عن حال أهل صديقاتها لا يتوقف، تتذكر الفتاة العشرينية تلك المواقف جيدًا، فالحروب الثلاثة التي عاشتها في القطاع وهي صغيرة أكسبتها تفاصيل دقيقة عن الأوضاع التي يمر بها الأهل والأصدقاء لحظات القصف، فالاهالي داخل البيوت على درجة كبيرة من الاستعداد لمغادرة منازلهم حال تلقيهم إنذارا من سلطات الاحتلال لمغادرة منازلهم أو قصفها، يستعدون بارتداء ملابس الصلاة أو الخروج تحسبًا لأي طارئ، يجمعون أوراقهم الثبوتية من شهادات أو بطاقات الهوية الشخصية(..) هذا هو حال أهل يارا العفيفي في القطاع خلال أيام الماضية وحال أبناء القطاع بصفة عامة، "أنا عشت هذه الظروف قبل ذلك، وأهلي عاشوها في الأيام الأخيرة.. هذه الأشياء لن تخلق مواطنًا بسيطًا، لكنها ستخلق انسانا معقدا ومشوهًا". تقول يارا.

"نحن في حالة اتصال دائم ومستمر".. تقول يارا وهي تتحسر على صديق لها اغتاله قصف الطيران الإسرائيلي منذ يومين " كان شابًا بسيطًا يحب الضحك، تعرفت عليه في كورس للغة الإنجليزية، ومرت السنوات حتى وجدت اسمه مع أسماء الشهداء جراء القصف الذي تعرض له القطاع".. تواصل يارا حديثها بأسى وهي تتعجب :" ما أصعب أن يموت إنسان له كيان وأهل وأصدقاء برصاصة أو صاروخ طائش؟!".

تنفست يارا الصعداء بعد أن جرى الإعلان عن وساطة مصرية لوقف إطلاق النار على القطاع، لكن فكرة "الحرب على أهلي وأنا بعيدة" تؤرقها وتشغل بالها، لكن ما يشغل بال أبناء القطاع حسب قولها ما بعد الحرب " إن استمرت الحرب يقولون نريد هدنة.. وإن أعلنت الهدنة فماذا بعدها؟" بصوت خافت تجيب يارا عن تساؤلاتها :" الفقر والبؤس والكآبة تسيطر على القطاع الذي أصبح صورة مصغرة من جهنم". تقول يارا.