الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نعمات مدحت تكتب: شيخ الأزهر في مواجهة المشككين

صدى البلد

بدأ الاهتمام بالسنة النبوية مبكرًا في عهد النبي صلي الله عليه وسلم، وبدأت كتابتها بين يديه، فُعرف العديد من الصحابة صحائفهم الخاصة بحفظ السنة، فكانت هناك الصحيفة السابقة لـ عبدالله بن عمرو بن العاص، وصحيفة الحج لـ جابر بن عبدالله الأنصاري، كما عرفت رواية قيس بن سعد من كتاب أبيه بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم.

وتوالت جهود العلماء في القرون الباكرة، حتي أراد عمر بن الخطاب أن يجمع السنة لكنه خشي أن ينكب الناس علي دواوينها فيكون في الاشتغال بها صرفاُ لهم عن القرآن، فترك مراده حتي كان عصر حفيده عمر بن عبدالعزيز، خامس الخلفاء الراشدين، فعاد إلي شيخ السنة، وأمير المؤمنين في الحديث محمد بن مسلم بن شهاب، ليجمع السنة، وانكب ابن شهاب يعاونه أبو بكر بن حزم علي جمع سنة النبي صلي الله عليه وسلم من مصادرها الرئيسة من كبار التابعين ، وبقايا الصحابة في ذلك الحين، فكان هذا أول جمع منظم رسمي للسنة، ولكن عمر بن عبدالعزيز سرعان ما وافته المنية.

وحفظ علم ابن شهاب تلاميذه حتي صارت روايته دواوين كبري شغلت مساحات كبيرة من الصًحاح والمسانيد والسنن التي جمعت في بداية القرن الثالث الهجري، وبذلك فإن دعوي إهمال السنة قرنين من الزمان دون كتابة أو دعوي اعتماد السنة علي الحفظ الشفوي دون تقييد كتابي هي دعاوي باطلة إنما تنم عن جهالة وهوي وانغماس في الضلالة، ومن هنا جاءت كلمات فضيلة الإمام الأكبرالدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، نيرة مستنيرة تعتمد العقل لتصرف هذا العقل إلي لباب المنقول بتنبيهه إلي صحيح المعقول.

فلفت النظر إلي جهود الآلاف من النُقاد العالمين والحفًاظ المجيدين الذين افنوا أعمارهم وأراقوا ماء عيونهم وأطالوا ترحالهم في طلب الحديث الشريف من مصادره وشيوخه، فجمعوه، وقارنوه ونقدوه، ومحصوا الصحيح من الضعيف، والموصول من المقطوع، والصحيح المجًود من المنكر والشاذ، والمرفوع المُسند إلي الرسول من الموقوف والمقطوع.

بل إن المستشرقين لا يعجبون كل العجب من إفراد المسلمين دواوين خاصة للموضوعات جمعوا فيها الموضوع من الحديث وقيدوا علاماته وأماراته، كما جمعوا طبقات الضعفاء من الرواه وقيدوا معهم أحاديثهم الضعيفة والمنكرة ، وبينوا وجوه ضعفها ونكراتها.

وأما إعتماد المعقول في بيان سلطة السنة، فإن السنة مفسرة وشارحة للقرآن ومبينة لعموماته ومقيدة لمطلقاته، لذلك يحتاج أهل الفقه كما يحتاج عامة الناس إلي السنة في تفاصيل حياتهم، وهو ما أشار إليه الإمام الأكبر، ومن ذلك تفاصيل الصلاة بركعاتها وسجداتها وهيئاتها، وتفاصيل الزكاة، ومن تجب عليه، وفيما تجب وبيان نصاب كل مال وجبت فيه، وشروط كل حالة من حالاتها، ناهيك عن زكاة الأنعام بأنواعها والثمرات بأحوالها، والأمر ذاته منطبق علي فريضة الحج، ألم يقل النبي في حديثيهي الشريفين ( صلوا كما رأيتموني أصلي) و( خذوا عني مناسككم).

إن إمامنا الأكبر يقدح زناد العقول ليثقفها، وينبه أهل الغفلة ليوقظ عقولهم إلي ما يفعلونه كل يوم من الصلوات الخمس، أو يفعلونه حوليًا أو فصليا من الزكوات الواجبات، أو عمريًا كالحج والعمرة، فيقول لهم كيف تصلون لو تركتم السنة؟ وكيف تزكون لو تركتم السنة؟ وكيف تحجون لو تركتم السنة؟، وإذا كانت أصول الإسلام لا تقوم إلا بالسنة فكيف بما دونها من العقود المالية والتبرعات الطوعية، والأمور الزوجية والقضايا المجتمعية، وما يتصل بذلك من التفاصيل الكثيرة التي لو جُمعت لاستغرقت المدونات والمجلدات.

فإن كان منكري السنة يصلون ويزكون ويحجون فهم أهلُ للمراجعة وإعادة التعقل في الأمر اتباعًا لصحيح المعقول الذي نبه عليه حفيد الرسول الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، وتاجنا الأنور، وإما إن كانوا لا يصلون ولا يزكون ولا يصومون فما لهم والسنة؟! فليتركوا السنة لأهلها ولنذرهم في غيهم يعمهون.

حفظ الله ناصر السنة في عصرنا الحاضر الذي استخلفه الله عزوجل علي إحدي الأمانات العظمة في العالم الإسلامي وهو الأزهر الشريف، فقام بحقه ونصر دين ربه وأحيا سنة نبيه. فلنقف جميعًا وقفة حق ولنراجع أنفسنا، فالمراجعة الذاتية والنقد الذاتي من أصول الإصلاح الكبري اللازمة لنهضة الأمة في فكرها ودينها وحياتها ومعادها.